في رواية (بولقلق) للكاتب البحريني د.
أنت هنا
قراءة كتاب بولقلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
وافقت جوزفينا التي بدت من نظرات عينيها العسلتين الجميلتين مغرمة بشخص خالد وأسلوب حديثه وقفشاته الناعمة وأناقته الملفتة للنظر ولغته الانجليزية الراقية وسرعة بديهته ورائحته الزكية على العرض وكأنها كانت بإنتظار فارس يأتيها من وراء البحار ليملأ حياتها الفارغة بهجة وأملا وحبا ومرحا·
حينما حان موعد اللقاء المتفق عليه ذهب خالد مبكرا إلى المطعم الاسباني ليختار بنفسه الركن الهاديء الذي سيجمعه مع جوزفينا في تلك الليلة التاريخية من حياته· لم يطل إنتظاره كثيرا· جاءت جوزفينا في الثامنة تماما دون أدنى تأخير وهي ترتدي فستان سهرة طويل من قماش الساتان الأسود· لون الفستان وشكله وملمسه المتناغم مع لون بشرة جوزفينا البيضاء وطولها الفارع وتضاريس جسمها البض وشعرها المرفوع بشدة إلى الوراء ومن ثم إلى الأعلى على طريقة تسريحة;إيميلدا ليلة زفافها إلى زعيم الفلبين الديكتاتور;فرديناند ماركوس كان دافعا لبحلقة المتواجدين وهمساتهم· نهض خالد من مقعده سريعا وإتجه صوب الجميلة القادمة مصافحا إياها وطابعا قبلة على يدها اليمنى فيما كانت عيناه تنظران إلى وجهها الملائكي دونما إكتراث بالضؤ المنعكس من تلألأ العقد الماسي الملتف على رقبتها البلورية·
كل هذا الجمال الأخاذ وذلك الجو الرومانسي البديع كادا أن يتواريا بمجرد أن نطقت جوزفينا بإسم الطبق الذي ستتناوله·
- آي ويل إستارت ويذ غرين سالاد فولود باي;علي ما زق أز ماي مين دش! لقد أفسد;علي ما زق وهو الإسم الفلبيني لسرطان البحر الأزرق أو ما يعرف في الخليج بإسم;القبقب كل جميل· أما ما أفسد جلسته مع جوزفينا أكثر فقد كان إصرارها على تناول;پاكاؤون مع وجبتها· والپاكاؤون ليس سوى نوع من أنواع المخلللات الفلبينية التقليدية ذات الرائحة النفاذة الكريهة بسبب صنعها من السمك المخمر·
خالد من جهته لم يبد مكترثا كثيرا بالطعام قدر إكتراثه بالشراب وتدخين سيجاره الكوبي الثمين وتخيل ما سينتهي إليه لقاء تلك الليلة مع;بولقلق الفلبينية· لذا فإنه طلب من النادل أن يأتيه بطبق متنوع من الأجبان الفرنسية وكأس من نبيذ pinot noir الأحمر الفرنسي الفاخر·
الأمر الآخر الذي أفسد جمال تلك الليلة هو الطريقة التي تناولت بها جوزفينا طبق;علي ما زق والتي بدت غير متسقة مع مظهر إمرأة صارخة الجمال وصاحبة ذوق رفيع في إختيار ملابسها وحذائها وعطرها ومجوهراتها وتسريحة شعرها فضلا عن ثقافتها وإنتسابها الى أسرة مدينية متوسطة· لقد إستخدمت جوزفينا يديها في تفتيت سرطان البحر ومصمصة قشوره حتى بدت كما لو أنها فتاة ريفية أمية ألقت بها الصدف في المدينة أو كما لو أن خطأ حدث في دعوتها إلى ذلك الفندق الفخم لتناول العشاء·
لم تكترث جوزفينا بنظرات الجالسين على مقربة من طاولتها أو بنظرات خالد الذي بدا محرجا لكن ظل صابرا دون أن ينطق بكلمة أو يطلق زفرة أسى حارة· لقد تركها خالد على سجيتها وراح هو يتناول طعامه كالأرستقراطيين· كان سؤاله الوحيد في تلك اللحظات هو عما إذا كانت جوزفينا ستقبل دعوته لتناول القهوة أو الشاي في غرفته أو تقبل هي إستضافته في شقتها للغرض نفسه· لم يكن المكان مهما بالنسبة لخالد· كان المهم عنده أن يرى تلك المخلوقة الجميلة تقف أمامه عارية تماما فيمتع ناظريه بما تحت الملابس الأنيقة من مؤهلات بديعة·
ما تمناه وشغل تفكيره حدث في غرفته هو وليس في شقتها هي· وهو ما أسعد خالد أكثر من بعد سعادته بذهاب جوزفينا إلى دورة المياه لغسل يديها وفمها والتخلص من روائح ما إلتهمته من بصل ومأكولات بحرية زفرة· كان خالد خائفا من أن يشتم بقايا تلك الروائح فتفسد السهرة التي حلم بها طويلا· التجارب علمته أنه ما من شيء أسوأ من إشتمام المرء لرائحة غريبة منبعثة من جسد شريكته أيا كان مصدرها فذلك كفيل بإفساد كل شيء وترحيل مشروع ممارسة الغرام إلى وقت آخر أو إلغائه نهائيا·
من حسن حظ خالد أن جوزفينا كانت ترتدي تلك الليلة عطر;أوپيوم القوي من أعمال;إيف سان لوران وهذا ساعد على حجب أية روائح أخرى كرائحة;علي مازق و>پاكاؤون التي أصبحت عند خالد مرادفا لكل ما هو منفر· بمجرد وصولها إلى غرفة خالد الفاخرة ألقت جوزفينا بحقيبتها اليدوية على السرير وخلعت حذاءها وعقدها الماسي· لم تفكر بخلع باقي أشيائها وكأنها تعمدت ترك تلك المهمة لأصابع خالد· فهم خالد صاحب التجارب النسائية الكثيرة أن تلك ليست سوى دعوة غير مباشرة من جوزفينا لتعريتها·