السماء شاغرة فوق اورشليم (2)؛ للكاتب سليم بركات، هذا هو الجزء الثاني، والأخير، مُلْحَقاً بالرواية، جَرْياً بوقائعها على سكَّة الحملة الصليبية الثالثة أعلنها البابا غريغوري الثامن تعبئةً، حتى سقوط عكا في يد الفِرَنْجة· سردٌ يمضي، هنا، بسيرة العسكري توران، ال
أنت هنا
قراءة كتاب السماء شاغرة فوق اورشليم (2)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
لو حصل شيء لتوران، لاسمح الله، لجاء من يُبلِّغ عسكرَ حامية جَعبر، ياشريكتي توهين· يأتي إفرنج، ويذهب إفرنج· الدنيا إمَّا حربٌ، أو تنتظر حرباً· العسكر ينتقلون، قالت شاهناف السوداء العينين الصغيرتين، ذات النُّقْرة في ذقنها الناعمة·
هما، توهين وشاهناف، والنساء الثلاث الأخريات: أم ماسيني، والعربيتان سَهْدة، ورمَّانة، شريكات في الجاروش الضخم اشتريْنَه بقِسْمةٍ متساوية بينهنَّ، يجرشن به عدسهنَّ، وقمحهُنَّ المجفَّف بعد السَّلْق، وكلَّ حبٍّ آخر تخيَّرتِ المشيئةُ لهُ طحْناً خشناً قبل الطهو· يتخاطبن نداءً بلقب الشريكة قبل ذِكر اسم من يخاطبن· بعضهنَّ لبعضٍ، في اللعب بخيال الصفة تلك، ظَرْفٌ، ودعابة، إنْ كُنَّ رائقات الأمزجة، فإن اعتكرنَ اعتكرَ اللعب بخيال الصفة حتى حدود السبِّ بلا تمادٍ: ياشريكةَ الضراط، قد تقول إحداهُنَّ إذا استغابت مَنْ ظنَّتْها أهلاً لاستغابتها· ياشريكة روحي، قد تقول إحداهن إذا تودَّدتْ مَنْ ظنَّتْها أهلاً لودِّها· لكنهن لم يتخاصمنَ، قط، خصامَ القطيعة، أو الحَرَد طويلاً· زئيرُ الجاروش يجمعهُنَّ بآصِرة القوَّة فيه إذا اجتمعن من حوله مستأنساتٍ، ومراقباتٍ في الآن ذاته ألاَّتتمادى إحداهنَّ في تعنيف الحجر الأسود تدويراً بنصفه الأعلى على مركزه فوق نصفه الأسفل، فيصيب الرَّحيين حتٌّ في مسامه الخشنة· وهنَّ، مُذ سمعن شذراتٍ متناثرةً من عزم الفرنجة على الاحتشاد ردًّا للعار، بعد خسارتهم بيتَ المقدس، آليْنَ أن يستعرضنَ علومَهن عن الحروب الوشيكة على قَدْرٍ أقصى ممَّا يتحصَّل لخيالهنَّ من عَرْضٍ، واستفاضةٍ، وغُلواءٍ في السردِ، ونقلٍ عشواء من صِفة إلى صفةٍ بنبْرٍ خلْطٍ في أصواتهنَّ الراويةِ يستثِرْنَ الأسماعَ، والأخيلةَ، بخفْضِها حيناً، وإعلائها حينهاً، تهويلاً أو تخفيفاً؛ استهانةً، أو استكباراً للمواقف في ما يرويْنَ، كالصوتِ الزئيرِ ذاته من الفمِ الفراغ المنطبق بين شِدقَيْ رَحَيَيِّ الجاروش·
التعبئة، في قلعة جعبر، كقأقأة الدجاج فجراً يتناتشُ خبزاً مبلولاً· السلاجقة، في الشمال، مذعورون، قالت سِيْرِيْنو، أم ماسيني، النحيفة البيضاء· أضافت: أخشى أن تشمل التعبئةُ رجالَ جَعبر كلَّهم
كلهم؟، تساءلت شريكتهنَّ العربية سَهدة، ذات الإحدى والثلاثين سنة، بلُكْنتها ـ لُكْنةِ حوران·
كلهم· نعم، ردت سيرينو من تحت خمارها الداكن الخضرة، المطوَّق بوشاح بنيٍّ تُؤثره حول رأسها، وليس حول خصرها· مرات عدة، من قبل، استنفر رُسلُ مولانا الملك الناصر شبانَ هذه الأنحاء، وكهولها أيضاً· ويُقال إن التعبئة ستصل حتى حدود الجبال التي تنهار ثلوجها عن القمم، وتنزلق بهمسة
ماذا؟، ساءلتها شريكتها في الجاروش رمَّانة، ذات الأربعة والثلاثين عاماً، بلُكنة من عربيَّة الرَّقة ـ مدينة الرشيد·


