كتاب "تجربة حياة" تردد الكاتب د. تيسير النابلسي في الكتابة، كما يقول: "على الرغم من حرص عدد من الإخوة والأصدقاء على أن أقوم بتدوين مذكراتي، وكنت أتساءل لماذا مذكراتي؟ وأي هدف أسعى إليه؟
أنت هنا
قراءة كتاب تجربة حياة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
كان يوجد في تلك الأيام في سنوات ما قبل المدرسة الكُتّاب، حيث يكون هناك شيخ يدرس القرآن واللغة العربية للأطفال دون سن السابعة، وأذكر وكنت في السادسة من العمر، أن والدي أرسلني إلى أحد هذه الكتاتيب، وكان يبعد عن بيتنا مئات من الأمتار، ويسمى كُتّاب الشيخ عثمان· كنا نجلس على الأرض، وكان يدرسنا أبو إسماعيل الذي كان صاحب مطعم للفول في المنطقة أيضا، يعمل في الكُتّاب صباحاً وفي مطعمه بعد الظهر، وعندما بلغت السابعة وهو السن المقرر لدخول الطلاب إلى المدرسة الرسمية الحكومية، وكان ذلك في عام 1941، دخلت المدرسة الابتدائية، وكانت تسمى المدرسة الأيوبية أو المدرسة الخضراء؛ إذ كانت بناية خضراء جميلة، وأمامها ساحة واسعة تنصب فيها في المناسبات وأيام الأعياد المراجيح، حيث يأتي الأطفال لتمضية أيام العيد في تلك الساحة·
وكانت المدرسة تبعد أكثر عن البيت، وكانت وسيلة النقل السير على الأقدام· وفي اليوم الأول من المدرسة طلب منا أن نحلق شعر رؤوسنا تماما (على الصفر) وكان موقفاً صعباً، وكنت أشعر بالبرد لفقد شعر رأسي الذي كان يعطينا شيئاً من الدفء، ولكن لابد من ذلك فنظام المدارس والعناية بالنظافة يفرض ذلك· وقد تذكرت تلك الأيام في سجن الزرقاء العسكري في عام 1967 حين حلقوا لي شعر رأسي بالإكراه على الصفر أيضاً·
أذكر سنوات الدراسة الست التي قضيتها في المدرسة الأيوبية تماما، وأذكر أساتذتي فيها، وزملائي في الدراسة، وعندما أقارن حال الدراسة والمدارس في هذه الأيام بتلك الأيام أشعر أن أساتذتي في تلك الفترة، وقبل أكثر من ستين عاماً، قاموا في التربية وفي التعليم، وكنا نحبهم ونحترمهم، وكانوا يخلصون في عملهم، ولم تكن المدارس تجارة كما آلت إليه حال التعليم -ولاسيما في المدارس الخاصة- في أيامنا هذه حيث ينوء حمل رب الأسرة بعبء الأقساط المدرسية· أذكر وأنا في الصف الخامس الابتدائي أن إدارة المدرسة التي كان يديرها آنذاك الأستاذ سعيد الصباغ؛ وهو من كبار الجغرافيين في تلك الأيام، نظمت مسابقة لطلبتها، واختارت موضوعين للطلبة ليكتبوا بأحدهما، وكان الموضوع الذي اخترت الكتابة فيه الأديان ولماذا وجدت أنجزت الموضوع وسلمته للأستاذ المشرف على المسابقة، وفي اليوم المحدد لإعلان النتائج وتقديم الهدايا للفائزين فوجئت بإعلان اسمي الفائز الأول في المسابقة· وقمت بإلقاء الموضوع أمام الحضور، وقدمت لي إدارة المدرسة قلم حبر ثميناً هدية لي وتقديراً للموضوع الذي كتبته، وحاول بعض الطلاب انتزاعه مني بعد خروجي، ولكني تمكنت من الإفلات منهم، حيث كنت ضعيف البنية خفيف الوزن، فذهبت ركضاً إلى البيت· أقارن ذلك بحال التعليم في هذه الأيام، وخاصة اللغة العربية، حيث إن الطلبة في هذه الأيام لا يحسنون الكتابة بلغتهم الأم، حتى خريجو الثانوية العامة الكثير منهم لا يستطيعون كتابة رسالة قصيرة، وإن كتبوها تكون مليئة بالأخطاء الهجائية والنحوية والإملائية واللغوية· لقد أصبحت لغة القرآن غريبة في وطنها هذه الأيام!