كتاب "تجربة حياة" تردد الكاتب د. تيسير النابلسي في الكتابة، كما يقول: "على الرغم من حرص عدد من الإخوة والأصدقاء على أن أقوم بتدوين مذكراتي، وكنت أتساءل لماذا مذكراتي؟ وأي هدف أسعى إليه؟
أنت هنا
قراءة كتاب تجربة حياة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
ودّعتهم في ميناء مارسيليا، ولم أرهم بعد ذلك ولم أسمع عنهم، والله يعلم إن كانوا استطاعوا الدخول إلى ألمانيا أو أنهم اعتقلوا أو قتلوا· كان هذا جزءاً من المشهد الفلسطيني عقب المؤامرة على الوطن السليب· بعد وصولي إلى مارسيليا اتجهت بالقطار إلى مدريد، ومن هناك بدأت رحلتي إلى الأندلس في القطار· زرت غرناطة وأشبيلية وقرطبة، أشاهد حضارة وفردوساً أضعناه كما أضاعت بعض الأنظمة فردوس فلسطين، ثم توجهت إلى جبل طارق، وعبرت المضيق إلى طنجة في المغرب، ومن ثم في القطار إلى الرباط لاستئناف عملي·
أذكر في أثناء إقامتي في الرباط أنني شاركت في تظاهرة نظمها الاتحاد المغربي للشغل في إحدى المناسبات الوطنية للتضامن مع فلسطين، وكانت مظاهرة سلمية هادئة تجلت فيها عناصر الوحدة بين أطراف هذه الأمة في مشرقها ومغربها· وفي الشهر الثالث من عام 1963م، طلبت مني إدارة البنك أن أدفع أجرة السكن الذي أشغله، على الرغم من أن عقدي معهم يتضمن توفير سكن، إضافة إلى راتبي الذي كان لا يتجاوز مائة دينار أردني، وكانت حجتهم أنني أعمل بالتدريس في الجامعة، علماً بأن ساعات عملي لم تكن تتعارض مع فترة دوامي في البنك، وأمام إصرارهم على ذلك أخذت إجازة طارئة وعدت إلى عمان، وكانت رحلتي إلى عمان عن طريق البر بالقطار والسيارات، انتقلت فيها من الرباط إلى الجزائر، وكان وصولي إلى الجزائر في بداية استقلالها عن الاستعمار الفرنسي· كنت أشعر بالفخر والاعتزاز بوجودي في الجزائر لبضعة أيام، وأنا أشاهد انتصارات ثورة الجزائر، وانتصار تيار المقاومة على تيار الاستسلام للواقع المهين الذي عاشه جزء من أمتنا العربية آنذاك· وانتقلت بالسيارات إلى تونس، ثم طرابلس، ثم بني غازي، وكانت رحلة متعبة استغرقت أياماً وساعات طويلة من السفر، فأخذت الطائرة إلى القاهرة ثم إلى عمان·
وفي عمان ذهبت للقاء مدير شؤون الموظفين، وكان معروفاً بتشدده في الأمور، وطلبت منه الرجوع عن قرار طلب سداد أجرة المنزل في الرباط؛ لأن دخلي لا يحتمل ذلك، أو أن يتم نقلي إلى عمان أو نابلس، فرفض ذلك وأصرّ على موقفه، فتقدمت باستقالتي، وبدأت عملي في عمان مع إحدى المؤسسات، ولكن لبضعة أشهر، إلا أن ظروف سجني حالت بيني وبين الإقامة في عمان، فعدت إلى نابلس مغادراً سجن المحطة في عمان في إقامة جبرية فرضت عليّ في مدينة نابلس، وكنت أتمثل في هذه المناسبات المثل القائل رب ضارة نافعة
كان ذلك حوالي منتصف عام 1963م حيث عدت إلى عملي كمحام في مدينة نابلس، وكنت أنتقل بين محاكم نابلس وطولكرم وجنين والقدس· وفي هذه الفترة تعرفت على مجموعة من العاملين في الحقل الوطني الفلسطيني، الذين استهدفوا إقامة تنظيم سري سمّوه جبهة تحرير فلسطين - ج ت ف للقيام بعمليات عسكرية عبر الحدود داخل فلسطين المغتصبة (إسرائيل)· بدأنا في التوسع ونشر فكرنا وأهدافنا بين عدد من المتحمسين المتشوقين للعمل الفلسطيني المسلح، وقد تطلب هذا الأمر أن أفرغ جزءاً مهماً من وقتي لهذه المهمة، وكان ذلك على حساب عملي المهني وعلاقتي الأسرية، وكانت زوجتي قلقة جداً من كثرة غيابي وتأخري وسهري خارج البيت، ولكن لم يكن لدي خيار آخر، فقضية الوطن تسري في عروقي سريان الدم، وما عشته في السنوات الماضية في يافا وبعد اللجوء إلى نابلس، ومعاصرتي لأحداث النكبة كان يطغى على مشاعري وتفكيري، وكانت أجهزة المخابرات نشطة في تعقبنا، وتمكنت من إلقاء القبض علي وعلى زميلي أحمد عثمان، وعدد كبير من الإخوان الذين التقيت بهم في سجن المخابرات، وسجن الزرقاء بعد ذلك·