أنت هنا

قراءة كتاب تجربة حياة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تجربة حياة

تجربة حياة

كتاب "تجربة حياة" تردد الكاتب د. تيسير النابلسي في الكتابة، كما يقول: "على الرغم من حرص عدد من الإخوة والأصدقاء على أن أقوم بتدوين مذكراتي، وكنت أتساءل لماذا مذكراتي؟ وأي هدف أسعى إليه؟

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 4
في عام 1947م انتقلت من مدرستي الأيوبية إلى مدرسة أخرى وهي مدرسة حسن عرفة التي تبعد عن منزلي كيلو مترات عدّة، وكانت وسيلة الانتقال أيضاً السير على الأقدام·
 
أجمل ذكرياتي في يافا وأقرب أصدقائي هو بحر يافا· كان منزلنا يطل على البحر الذي لا يبعد عنه أكثر من مائة متر، كنت أمضي معظم أوقات فراغي على شاطئ البحر، ولم أكن أحسن السباحة، فقد كانت أسرتي تخشى علي من السباحة، وحرمت من هذه الرياضة، وعندما أصبح لي أبناء علمتهم جميعاً السباحة·
 
ارتباطي مع البحر ارتباط خاص يصل إلى درجة العشق، كنت أجلس ساعات طويلة على الشاطئ وحيداً عندما لا يكون هناك رفاق الحي· أناجيه وأكلم أمواجه، وأشاهد انسيابها على رمال يافا البيضاء، وكان على جزء من الشاطئ ناد للجنود البريطانيين كان يحظر علينا دخوله أو الاقتراب منه·
 
كانت يافا، ببحرها وبنائها وأشجارها وبيارات برتقالها وتجارتها وعمرانها ومبانيها مدينة متطورة يحلم الكثيرون بالقدوم إليها والعيش فيها، كما هي الآن دبي التي تعدّ حلماً للكثيرين من الراغبين في القدوم إليها والعيش فيها·
 
في عام 1948م فقدت هذا الحلم، لقد بدأت الحرب بين عصابات صهيونية مدربة ومنظمة ومسلحة تدعمها قوات بريطانية، حين كانت بريطانيا دولة عظمى، وقوات من المجاهدين قليلي الخبرة القتالية والتدريب وضعيفي التسليح·
 
عند بداية الحرب أرسل والدي والدتي وإخوتي وأخواتي الخمسة إلى نابلس، وبقيت مع والدي في يافا بضعة أشهر قرر بعدها إرسالي إلى نابلس، ومكث هو في يافا للدفاع عنها مع متطوعين في كتيبة الإخوان المسلمين قبل الانتقال إلى نابلس، وكان ذلك في بداية عام 1948م· ذهبت لوداع صديقي بحر يافا، جلست إلى الشاطئ ساعات طويلة أتابع الموج وأستنشق الهواء النقي، وأهمس إلى البحر وأبكي، وأسأل نفسي وأسأل البحر: هل سنلتقي أم أنه فراق لا لقاء بعده؟ ثم أتذكر ما كان يتداول في تلك الأيام بأن الجيوش العربية قادمة للدفاع عن فلسطين وشعبها، وبالتالي أخاطب البحر: إنني عائد عائد عائد، ولم أكن أعلم بالمؤامرة والسقوط والخنوع وصفقات بيع تمت بليل حرمتني من بحر يافا طوال هذه السنين· ركبت سيارة أجرة مغادراً يافا إلى نابلس مع ركاب آخرين، وكانت الطريق محفوفة بالمخاطر، حيث كانت هناك مناوشات بين العصابات الصهيونية والمجاهدين في بعض المناطق على الطريق، واستغرقت الرحلة ساعات طويلة وصلت بعدها إلى نابلس·
 
عشنا في بيت جدي في نابلس، وكان من رجالات المدينة البارزين، وكان مجلسه عامراً كل ليلة بالزوار والسمار وأصحاب الفكر والمال في المدينة، وإن كانت النكبة أفقدتهم المال والصحة، وكان مطلوباً مني أن أجلس في الديوان لتلبية مطالب الضيوف، وخاصة إحضار القهوة العربية وتقديمها لهم، وإحضار الجمرة للأرجيلة، وكان مدخنوها في بعض الليالي يتجاوزون العشرة، وعلى رأسهم جدي رحمه اللّه، الذي كان تدخين الأرجيلة ملازماً له ليل نهار، ولقد كانت فرصة لي أن أجلس في الديوان، وأستمع لما يدور من أخبار ونقاشات في السياسة والفكر والتاريخ والأدب، وقد استفدت من ذلك الكثير، وأضافت جلسة الديوان لي نضجاً، ووسعت أفقي ومعلوماتي·

الصفحات