"ماري حمالة الحطب"؛ عمل روائي للكاتبة اللبنانية هنادي غزاوي الصلح، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ومسرح الرواية هو لبنان.
أنت هنا
قراءة كتاب ماري حمالة الحطب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
3
جعلتني فكرةُ الرحيل أعيش فجيعة الوداعات اليومية الطويلة والمؤرّقة، كل ما حولي كان يهتف بي بطريقة غامضة، إنها نداءات باطنيةٌ تجعل حواسي تنفرط ولا أعود قادرة على استجماعها، اكتشفتُ على حين غرّة كم أعشق هذه المدينة، وكم سوف يكون الرحيل عبوراً لا نهائياً إلى الجهة الأخرى ليس من المدينة فحسب بل ومن الوجوه التي سأفتقدها كبائعي الصحف ورواد المقاهي والمسارح والبيوت، حتى المقابر بجلبتها الساكنة·
لم أعلمْ أن السفر سيبقى حلماً معلقاً بعد موته·
في الفراق يزداد البصرُ حدّةً؛ إذ تستقطب العيون كل التفاصيل، تتوحّد الحواس شاخصة بذكرى ما كانت لتبدو واضحة بهذا القدر لو لم يمنحها الرحيل هذه الكثافة ويركّزها فينا، كأننا لا نعرف قيمة من نحب وما نحب إلا عندما نوشك على فقدانه· الإنسان ذاته في كل زمان، كائن يخاف البوح وحين يشرع ببوحه، يبوح متأخراً·
سرقه الموت في ليلةٍ باردة، كان القمر بدراً والباب موارباً، لا بدّ أنه تسلل خلسة في البرهة التي غفوت فيها من فرط التعب، لو بقيت مستيقظةً لتوسلت إليهِ أن يبقيك سنوات أخرى·
لكنكَ رحلت بلا جلبةٍ، لم توقظني حتى بأنفاسك لأودعك، لأقول لك كم أحبك، أو حتى لألفظ أنفاسي الأخيرة معك·
تاركاً خلفك حقائب سفر تنتظر الرحيل إلى باريس، وامرأة تعيش على الأمل والذكرى·