"ماري حمالة الحطب"؛ عمل روائي للكاتبة اللبنانية هنادي غزاوي الصلح، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ومسرح الرواية هو لبنان.
أنت هنا
قراءة كتاب ماري حمالة الحطب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
بدّلت جلستها وهي تجيل النظر في أرجاء البيت، ثمّ صعدت بعينيها إلى السقف والمرايا في محاولة للهروب من خوض معركةٍ جديدةٍ معي كما في كل مرّة يطرأ رجلٌ في حياتها، وكانت كلّما اقترنت بعلاقة مع رجل جديد يكون عابراً في الغالب· أكابدُ حيرة بين أن أشجّعها وأتضامن مع حياتها المتعثّرة وبين أن أعيدها إلى بيتها وولدها وزوجها السابق، رغم معرفتي أنها لم تعدْ تفكّر بالعودة إلى عصام· فهي ومنذ طلاقها تبدلت وأصبحت فرساً جامحة تجري بحرّية وبلا كللٍ، كأن الزواج لم يكن تكميلاً لحياتها بل محاولة من أجل تقييدها برباطٍ أبديٍّ، فكانت تشعر طيلة سنوات زواجها أنها مسجونة في قفص ضيّق كطائر لا يقوى على إفراد جناحيه، يقوقعه في زاويةٍ بلا حراكٍ·
لم أشعر يوماً أن موت فراس حرّرني وجعل الحياة مفتوحة بخياراتها الواسعة أمامي؛ لأنني بعده لم أقو حتى على المشي، فكيف على الطيران؟·· صارت أيامي محض استعادة واجترار بطيء وقاس لكل الأشياء التي جمعتنا·
فرق شاسع بيني وبينها، بين زواجي وزواجها، بين رجلٍ حملني على بساط الريح ليجوب بي في عالم ثقافته ورجولته وحبه، ورجلٍ عمل ما بوسعه على كتم أنفاسها وتحجيم أحلامها، تتنفس من خلاله، وترى في عينيه وتُجبَرُ على التفكير مثله والتلفّظ بكلماته، كأنه قام بتذويب وجودها ليحيا وجوده، أو كأنها وُجِدتْ من أجل أن يفرّغَ فيها كلّ عقده ومخاوفه وتوجّسه·
إنسانةٌ بلا مساحةِ حريّةٍ، كطائرٍ بلا فضاء رحبٍ يحلّق به· أجبتها بصوتٍ ممزوجٍ بغضب رقيقٍ تتفهم دوافعه ومبرراته:
- تبحثين عن رجلٍ يعيدك إلى القفص؟
- لا نور أبحثُ عن الحبّ، الحبّ الذي لا يعرف الهدنة، لا عن الزواج، يكفي ما عرفته، أنجزت وعلى أكمل وجه كل ما يحتاج إليه الرجل من زوجته، كنت مطيعة ومحبّة وواضحة، أنجبتُ (كريم) ، عشت الحمل والولادة والأمومة، عشت كل الأدوار ولم أعش الحب·