أنت هنا

قراءة كتاب السماء شاغرة فوق اورشليم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السماء شاغرة فوق اورشليم

السماء شاغرة فوق اورشليم

"السماءُ شاغرةٌ فوق أورشليم" عمل روائي للشاعر والروائي سليم بركات، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كثيرةٌ هي صفحات الحروب التي تنام في بطون التاريخ، ومتنوعة هي الأعمال الروائية التي تناولت هذه الصفحات بشتى أصنافها وأهميتها وماتركته من آثار ودروس وعِ

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
الرُّسُل الجراد
 
نشر الجرادُ أجنحةً شفيفةً، مائيةَ اللون، من تحت الأجنحة العليا الغِمدية القاسية· نشر أجنحةً مراتب لا تُحصى في مراقي ألوانها، طائراً طيرانَه الثقيلَ، القويَّ، مرتطماً بكل شيء· لقد أكمل مسيرتَه الطويلة، في الأرجح، مُذْ صار على منخفَض من الأرض، منقسِمَ السِّرب، يحطُّ بعضُه فوق بعض، ويتناثر بعضُه من حول بعض بقفزاتٍ قصيرة تنتهي بالكثير منه متدحرجاً، قبل ثباته مستقرَّاً على سيقانه المنشارية·
 
إنهم رُسل أهل الصليب، الفرنجة، من بحر عكا، قال عبد الجليل نَجْدَاني· جاءوا بالجراد في السفن تلثَّم بطرف عمامته البيضاء، المغبرَّة فلا يُعرَف أصلُ لونها·
 
الأفريقان يبيعون الجراد للنصرانيين· هذا جراد أفريقاني، قال أسْمَقان أَرْكُوْز علي، بلهجته المتساهلة في قضم الحروف العربية، في أواخر الكلمات·
 
هوى السيف على عنق الرجل البدين، المرتعش في ركوعه، بعدما وَجَأَه رجلٌ إلى جوار السيَّاف بنصل خنجره في قَذَاله، فانمطَّ العنقُ ممكِّناً الضربةَ من سَدَادها· تدحرج الرأسُ على الأعشاب اليابسة، المتقصِّفة من وطءِ الأقدام، بين الجراد·
 
أربعةٌ آخرون انخذلت ركابُهم هلعاً، وهم بأيدٍ في الوُثُق خلف ظهورهم، حليقو رؤوس تحت شمس الصيف، متراجعو الأعين إلى محاجرها من توسُّلٍ استنفدَ فيها الصِّورَ· عيونٌ خلاءٌ· وجوهٌ مسلوخة اللون بشفرة الرجاءِ المسلوخ· انهار أحدهم جاثياً· تقدَّم حامل الخنجر منه فوجَأَه به في قذاله· ضربه السيَّافُ بشهيقٍ حجريٍّ من حنجرته، كأنما يذبحه بالصوت قبل الشفرةِ الحديد· تدحرج رأسٌ ثانٍ مستقراً على العشب الجافِّ، بين الجراد·
 
من أين اسمُك الغريبُ هذا، ياأسْمَقَان؟، سأله عَمْرُوْس شَاهُدُون خِسْرو، صاحبُه الواقف إلى جواره، بكلمات رقيقة النطق لفظاً بعربيَّةٍ وافدةٍ من فارس·
 
همهم أسمقان المستدير الوجه، ذو الأنف الكبير:
 
ـ لو نظرتَ وراءك، أبعدَ من البعيد، الذي يلي أرضَ كسرى، متسلِّقاً ببصرك سفوح نهايات الجبال غربَ نهر جيحون··
 
قاطعه جَلاَل مِيْدُو كَمِيْلا، الشركسي الأصل: إسمك لايشبه شيئاً غير هذا الرأس أشار ببصره إلى الرأس المطروح مفتوحَ الفم والأجفان· نفض عن صدر قميصه جرادةً صفراء الظهر·
 
تنفَّس الرجل الثالث، المقيَّد اليدين، بصوت متراجع إلى أحشائه حين دفعه حاملُ الخنجر صوب السياف، ذي العين اليمنى نصف المغمضة تحت الخمار الأسود· ركلَه على باطن ركبته اليمنى فاختل توازن الرجل المقيد، فجثا· تدحرج رأسُه، أيضاً، فتطايرت حفنتان من الجراد متفاديتين نزاعاً على تقدير الموت·
 
يطير الجرادُ أحدَ عشر يوماً، متَّصل النهار بالليل، حين يهاجر· هذا هو يومه الحادي عشر· يكون جائعاً، نهماً، حين يحطُّ· سيأكلُ هذه الرؤوس، قال عزيز حاجي عبد الكريم، الكردي الملتحق بالحملة الثالثة من مجنَّدِيْ أهل واسطَ إلى حصار كَرَك·
 
إلى أين تبلغ معرفتُك بالجراد، ياعزيز؟ هل تذوَّقته مقليًّا؟، ساءله تُوْرَان موسى شَيْرْ، المتَّخذ عمامتَه خماراً في ظهيرة فظَّة على بُعْدٍ غير كبير من الضفةِ الشرقِ من بحيرة طبرية· تهاوى رأس الرجل الرابع، المقيَّد، على العشب الجافِّ، فتفاداه الجرادُ قافزاً·

الصفحات