أنت هنا

قراءة كتاب السماء شاغرة فوق اورشليم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السماء شاغرة فوق اورشليم

السماء شاغرة فوق اورشليم

"السماءُ شاغرةٌ فوق أورشليم" عمل روائي للشاعر والروائي سليم بركات، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كثيرةٌ هي صفحات الحروب التي تنام في بطون التاريخ، ومتنوعة هي الأعمال الروائية التي تناولت هذه الصفحات بشتى أصنافها وأهميتها وماتركته من آثار ودروس وعِ

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
لم يلتفت توران إليه· نظر إلى باب الخيمة الواسعة، المستطيلة، التي حَوَت أحد عشر لُبُوداً، خمسة منها توازي خمسة من الجهتين المستطيلتين، ولبود واحد عَرْضاً، في نهايتها ذات الشق الواسع لمرور الهواء· سأشعل ناراً بحث بين حوائجه المركومة في صرة كبيرة، على حافة الحصير أثقلها بسيفه وخنجره، عن الحجر القدَّاح والفتيل· فلنأكل جراداً قبل أن يصلنا الغداء العدس توقف عن بحثه بين الحوائج عن بُغيته الحجرِ القدَّاح والفتيل· العدس يصيب العروق بالصدَّاع في الصيف· أما من لبن يُنعش، أو جبنة وعنب؟· أصابعي يابسة، قال· مسح بعمامته عَرَقاً تحت إبطيه، من الشق الصغير في صدر قميصه· نهض· سُمع نقرٌ على صفيحٍ: النعمة· النعمة كلمتان  علا بهما صوتٌ خارج الخيمة، فأدرك الرهط الإثنا عشر وصول بريد الطعام في السطل المعدن، محمولاً مدلَّى من قضيب خشبٍ سميك يخترق حلقتيه، على كتفَيْ ساعيين بوجبة الظهيرة بعد صباح بلا إفطار، معهما ثالث بمغرفة يسكب في طاسات الجند من السطل، ويحمل على منكبيه كيساً من خبز القمح خولِطَ طحينُه بطحين الشعير والنخالة، جافاً من إنضاجه طويلاً في التنانير، حجريًّا·
 
حمل الإثنا عشر رهطاً طاساتهم العميقة، الواسعة خارجين من ظُلَّة الخيمة الوبر، المختنقة برطوبة البحيرة· ضيَّقوا مابين أجفانهم من وهج الشمس، واحداً، واحداً· ابتسم بعضُهم لبعض· إنها النعمة، حقًّا يا توران· لقد خذلك الطهاةُ اليوم، قال أمين كارو مسعود، الطويل، الكبير الأسنان: حساءُ سمكٍ ويقطين يابس
 
القى توران عمامته المحلولة على كتفه، وهو يمدُّ طاسته صوب حامل المغرفة والخبز: مازلت أفضِّل جراداً مشويًّا، يا أمين· سأضع في حسائي جراداً مشويًّا عاد بطاسته النحاس، العميقة، وقطعتيِّ الخبز اليابستين، السمراوين، إلى داخل الخيمة، بلا تنفيذ لخطَّته بشيِّ الجراد·
 
عاد الرهط الأثنى عشر، أجمعون، بطاساتهم إلى أعماق الخيمة· جلس كلٌّ على لِبْدِهِ وحصيره· تبادلوا تحذيراتٍ وهم يردُّون الجراد عن تسلُّق أقدامهم إلى الطاسات· غمغم عبد الجليل نجداني، ذو العمامة البيضاء المغبرَّة متأفِّفاً: أيُّ سَمَكٍ هذا؟ أتصيَّدوه من الرمل في بصرى الشام؟ ساءل نفسَه· أخرج حَسَكاً كبيراً من فمه، في لقمته الأولى·
 
احتفظْ بالحَسَك، قال مدحت سَرْبَك شَرَف، الأفغاني الأصل، بعربية متمدِّدة الحروف، رخيمةٍ، هادئة· سنتَّخذ الحَسَك أسياخاً لشيِّ الجراد ضحك، فلم يُجاره عبد الجليل ضحكه، بل ساءله:
 
ـ لم يصل أجدادي أبعدَ من برِّ الشام، فكيف وصل آباؤك إلى ضفة اليرموك، يامدحت؟·
 
أجدادي امتلكوا أخفافاً بأجنحة، ردَّ مدحت، ابن الثامنة والعشرين، الأصغر بين الرهط الاثني عشر· سلَّ خنجره من الغمد· حزَّ رأسَ جرادة كبيرة ضغطاً على عنقها بنصله: لاتخشوا جوعاً· لدينا مؤنة من  الجراد تكفي جيوش النبي سليمان أعاد الخنجر إلى الغمد، في الحزام المحلول، الموضوع فوق حوائجه·
 
لماذا تحمل خنجرين في حزامك، يامدحت؟، ساءله عبد الجليل نَجداني· وضع طاسة غدائه أرضاً ونهض· أدَّى أربع ركعاتٍ صلاةً كأسرع ما يؤدي مسلمٌ صلاتَه· نظر، بعد التسليم، إلى مدحت:
 
ـ لماذا تحمل خنجرين؟·
 
أشار مدحت بإصبعه إلى حيث جلس عبد الجليل: 
 
ـ ألم تحسَّ رَكْلاً تحت كَفلك؟ جلستَ على جرادتين·
 
رشف جلال ميدو، ابن السادسة والثلاثين، مرقاً حساءً من طاسته بصوت مديدِ الارتشاف· تجشَّأَ· ماالآية القصيرة، التي تقرأُها في صلاتك ياعبد الجليل؟
 
لاأقرأ آياتٍ في صلاتي· أسمعُها، ردَّ عبد الجليل· أسمع صوتَ الله، قال·
 
نظر بعضهم إلى بعض مبتسمين، وهم يمضغون خبزَهم البليل من مَرَق الحساء· تنحنح عمروس شاهدون، ابن التاسعة والثلاثين، الضيق العينين:
 
ـ أصوتُ الله مُختَصَرٌ إلى هذا الحدِّ؟؟ صلاةٌ في بضعِ ثوانٍ ليستْ صوتَ الله، يا عبد الجليل·
 
مابك، ياعمروس؟· ربك قادر أن يختصر القرآن، كلَّه، بهمسةٍ في أذني، قال عبد الجليل، الضيق العينين، الضخم الجسم، ابن الثالثة والثلاثين· أفرغ بقية الحساء في جوفه· تجشَّأ:
 
ـ ألسنا نصلي لله؟ هل سألتَه، ياعمروس، إن كانت تكفيه صلاةٌ بأربعة أشبار من الوقت، أم صلاة بأربعة فراسخ طولاً؟·
 
لم أعرفك فقيهاً، قال عمروس، بنبرة من لسانه الفارسيِّ نطقاً بالعربية·

الصفحات