"السماءُ شاغرةٌ فوق أورشليم" عمل روائي للشاعر والروائي سليم بركات، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كثيرةٌ هي صفحات الحروب التي تنام في بطون التاريخ، ومتنوعة هي الأعمال الروائية التي تناولت هذه الصفحات بشتى أصنافها وأهميتها وماتركته من آثار ودروس وعِ
أنت هنا
قراءة كتاب السماء شاغرة فوق اورشليم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
ـ لا أظنُّ·
لاتظنُّ، أمْ تعرف؟، ساءله أسمقان، ذو اللحية الشعثاء غير الكثيفة·
سيهمس الله في آذاننا تأويلَ الجراد حين نخوض معركةً، ياسادة الجراد، قال عبد الجليل· ألنا أملٌ في لحمٍ؟، أضاف منتقلاً بخيال الرهط من تأويل الجراد إلى مباهج الطعوم الضائعة· منذ سبعة وعشرينَ يوماً لم نذُقْ لحماً نهض متذمِّراً: ما هذه المواعيد البلهاء لإطْعامِنا؟· لاشيء للإفطار إلاَّ ماعندنا، نحن، من زبيب، أو مشمش مجفَّف· غداء حبوبٌ، فعشاء مُرْتجلٌ من أي شيء· أريد عودةَ قدور اللحم إلى المواقد في السُّرادقِ· أريد شواءً في العشايا يجعل لأحلامي مذاقَ الشحم على اللسان تنفَّس اشتهاءً· خَطا مبتعداً عنهم:
ـ فلْنملآْ أباريقنا الفارغةَ ماءً·
نهض الاثنا عشر رهطاً بتمامهم· حملوا أباريقهم إلى أحواض الماء تحت السرادق يأتي به السُّعاةُ قي قُلل كبيرة، مِن آبار كُوْرْليْنو، التي جَلَت عنها الحاميةُ الأخيرة من جيش رينالد دي شاتيون، أمير الكرك، بلا طَمْرٍ، أو تسميم·
لم يكن المغيب، الذي حمل فيه سُعاةُ الطعام خبزاً وعنباً إلى الاثني عشر ِرهطاً، كمغيب الكثير من أيامٍ خَلَتْ· صراخٌ، وصفيرٌ، ومرحٌ خبْطاً بالأقدام على الأرض، زاحم دخانَ المشاعل المضاءة بين فسحات في سطور الخيام، بدخول سربٍ من المَعْزِ إلى المعسكر يهشُّ عليه راعيان من بدو جبال عجلون· تسلَّم الطهاةُ السربَ فاقتادوه إلى السرادق، ضيوفاً على مذاود الجياد، ريثما يتدبرون له حظيرةً على عَجَلٍ، في الغد، ستعود شاغرة بعد أسابيع قليلة، حين يُستنفدُ اللحمُ، والشحم، والغضاريفُ، وبعض العظام أيضاً· قبض الراعيان من خزْنة مال الجند واحداً وثلاثين ديناراً بويهيًّا، صُكَّت بختم المَلِك العالِم من وجهٍ، وتأييدِ العزَّةِ الجلالِ المُلْكُ لله من وجه ـ تأييدٍ يُحيل المعدن الصامت ناطقاً بسِيَرِ القاهريْنَ·
لِمَ لم تذكر اللحمَ، قبلاً، ياعبد الجليل؟· تتبادلانِ، أنت والله، همساً بهمسٍ· أفي أسلافك أهلُ رؤيا؟، ساءله عثمان، تلك الليلة، بعدما تمدَّدوا على حُصُرهم، في العراء، كالجند كلهم، في العراء، حيث استطاعوا مدَّ حُصُرِهم، أَو لُبودهم، تحت عرائش النجوم مشرفةً عليهم من سهول السماء، ونجودها القمرية·
احتفِظوا ببعض عنبكم لإفطار الصباح· لن تخدعوا الجوعَ إذا سمعتم ثغاء المَعْز· لن تذقوا لحماً قبل عصر الغد، أو مغيبه، قال توران، متوسِّداً كيسَ حوائجه·
اقتراحك متأخر، يا جنابَ توران، ردَّ مدحت الهادئ· أكلت عنبي كلَّه وأنا أتوهَّم أنني أقضم كبد ماعزة
التمعت عيون بعضهم في انعكاس لهب المشعل عليها، من علياء العمود المعدن ـ السيخ منتهياً بتاجٍ من قضبان رقيقة، مقوَّسة تحضن اللهبَ الخافتَ ضِراماً في الحطبِ المُدَّهن بالنفط·
لماذا لايقسِّمون وجبات الطعام، في هذا المعسكر، على إفطارٍ دسمٍ، وعشاءٍ دسمٍ؟· ذلك أفضل من غداء يُبَلِّد، وعشاء لايُنيم· الدَّسمُ الشحمُ طعاماً يُنيم· طعامٌ دسمٌ يُحْضر أهلي إلى منامي وهم يقودون أسرى من الفرنجة النصارى، قال أمين كارو مسعود· عادل يوافقني، أبداً، على مُقترَحي في تقسيم الطعام وجبتين دسمتين استدركَ: عادل، ومحمود، عاسَّان من العَسَس الليلة· ربما هما يستحضران، مثلي، حلمَ يقظة من سمن يحفظهما مستيقظيْنِ في نوبة حراستهما، على التخوم غمغم متذوِّقاً، بلسان خياله، قطراتٍ من شحم أسود ذائباً من وهج الليل المُنعش: من منكم خاض معركة؟
تلاشت أصواتُ سمر الجنود الآخرين، قادمةً من نواحي الخيام كلِّها، بغتةً، في أسماع الرَّهط، أو انحسرت، مُذْ تمدَّد سؤالُ أمينٍ المنتفِخُ على سرير الأصوات· أتَّكأوا بمرافقهم على أكياس حوائجهم، التي اتخذوها وسائد، مترقبيْنَ من سيتكلم أولاً·
لن أدَّعي أنها كانت معركة، تلك التي استعدنا فيها من اللصوص السلاجق خمسين جَمَلاً، بنواحي الجزيرة· قتلنا أربعة، قال أسمقان بلسان يقضم أواخر الحروف العربية·
قتلتَ مسلمين؟!، ساءله عزيز بلومٍ خفيفٍ·
اللصوص لصوص، ردَّ أسمقان· استوى جالساً:
ـ أتحبُّ السلاجقة، ياعزيز؟·
أحب زوجتي، وأولادي الأربعة، ردَّ عزيز، مجنَّدُ الحملة الثالثة لحصار الكَرك، قبل التحاقه بسَرية طغرل· أضاف:
ـ كنتُ، مرتين، على بُعْدِ شبرٍ من خوض معركة مع كتائب من فرنجة الكرك، لكنهم كانوا مخادعيْنَ، يعودون أدراجهم فجاءة· لقد استنزفوا عزائمنا، وأعصابنا·
لم تخُض معركةً، إذاً، قال أسمقان·