أنت هنا

قراءة كتاب السماء شاغرة فوق اورشليم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السماء شاغرة فوق اورشليم

السماء شاغرة فوق اورشليم

"السماءُ شاغرةٌ فوق أورشليم" عمل روائي للشاعر والروائي سليم بركات، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كثيرةٌ هي صفحات الحروب التي تنام في بطون التاريخ، ومتنوعة هي الأعمال الروائية التي تناولت هذه الصفحات بشتى أصنافها وأهميتها وماتركته من آثار ودروس وعِ

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
كنتُ على بُعد شبر من معركة، ردَّ عزيز محتدماً· تلمَّس لحيته القصيرة ممحوَّةً بسوادها في الظلام الشاحب· مرَّر عليها شفرةَ خنجره الكِنْدجلِ، كعادته كل بضع ساعات، حتى يكاد يسوِّي شعرَها بجلد وجهه جزًّا· لم أطارد لصوصاً، بل كنتُ على بُعد شبر من امتحان قلبي، ومفاصل عظامي، يا أسمقان· المعركة معركة، أخضتَها أم كنت على بُعد شبر من خوضها· يجفُّ اللسان· يهبُّ رملٌ من قلبك إلى فمك· أجفَّ لسانُك في مطاردة لصوصٍ؟
 
لن  تخوض معركة ضد السلاجقة، بل الفرنجة النصارى، قال عزيز·
 
سأرى في وجه كلِّ فِرنجي وجهَ سلجوقيٍّ، ردَّ أسمقان·
 
ما خلطُك هذا بين السلاجقة والفرنجة، يا أسمقان؟، ساءله جلال، فردَّ أسمقان بصوتٍ صريرٍ:
 
ـ أحرق سلاجقة الروم، في غارة لا شأن لله بها، أولادي الثلاثة، وزوجتي، وهم نيام في كوخهم·
 
غمغمت الأصواتُ من حوله بمؤاساة متأخرة، وبالكثير من استفظاعٍ مشوبٍ بفضول·
 
أَفَعل السلاجقُ ذلك؟، ساءله توران، فردَّ أسمقان:
 
ـ لو ظلَّ آبائي أوفياء لأوثان الأرض العالية قرب نهر جيحون، ولم ينزحوا إلى نواحي الفرات أوفياء لإله السلاجق، لَمَا حرقَ السلاجقُ قلبي·
 
وضع جلال يده على حصيرة أسمقان، باحثاً عن يده، ربَّما، لينبِّهه إلى تجاسُرٍ من اللسان في ما لا ينبغي التجاسرُ فيه:
 
ـ للهِ في أقداره أحكامٌ، يا أسمقان· لا تظلم قلبَك بما يثقل عليه من لومِكَ اللهَ على أقداره·
 
كيف حصل ذلك، يا أسمقان؟، سارع عبد الجليل إلى سؤاله، فردَّ أسمقان بسؤالٍ مثله:
 
ـ حصل ماذا؟·
 
أهلك· أعني محنة الحريق هذه، قال عبد الجليل·
 
كنتُ في حاميةٍ بنواحي سنجار· حصل الأمر ليلاً، كما روى بعض الناجيْنَ· أغار سلاجقة الروم عليهم، والناس نيام· كانوا قادرين على نَهْبٍ بلا إضرام حرائق· لِمَ الحرائق؟، تساءل أسمقان بمرارة·
 
سامحهم اللهُ، قال توران مواسياً، ففاضت بأسمقان مرارتُه:
 
ـ سامحَ مَنْ؟· لن أسامح الله إنْ سامحهم اللهُ·
 
أنت تسيء إلى أهلك في قبورهم، يا أسمقان· كُنْ كريماً في غفرانك يكُنِ اللهُ كريماً، قال عثمان· سارع إلى تبديد شيء مَّا من ثقل المحنة مستعادةً من قلب أسمقان، سليل الأرض العالية قرب نهر جيحون، على قلب أسمقان:
 
ـ أنا خضت معركة·
 
أصغى الآخرون، المتمددون على لُبودهم الخشنة الأصواف، المستطيلة بطول قاماتهم، الضيقةِ عَرْضاً· استجمعوا فضولَ أعينهم أولَ الليل الشاحبِ لم يختمر ظلامُه  بعدُ· سكبوه من الحدقات على عثمان، الذي تأنَّى في استدراج خياله إلى فخِّ السرد· مسح بيده على لحيته القصيرة، الحليقة الشاربين:
 
ـ قطعنا الطريق على سرية كونْت إمارة طرابلس· كنتُ في فرقة أُفْردتْ من جيش مظفَّر الدين كوكبري لقطع الطريق· عدتُ من المعركة بأسيرٍ·
 
أقاتلتَ النصارى الفرنجة؟، ساءله عزيز العجول الحركة، فأبدى عثمان استغراباً:
 
ـ أسَلَّمني الأسيرُ نفْسَه إعجاباً بصلعي؟·
 
تنحنح عزيز، القويُّ ضرباً بذراعه اليسرى، كأنما استدرك تطاولاً منه على عثمان:
 
ـ كان قصدي أن أستوضحك شدَّة الفرنجة النصارى في الحرب·
 
  أقتلتَ أحداً، ياعزيز؟، ساءله عثمان، فردَّ الكردي، المُنتدب للحملة الثالثة إلى حصار الكرك، بإشادة في جسارته من حاميات واسِطََ العراق:
 
ـ أتظنني هنا لأنني أحسنُ ذبح المَعْز؟· كنتُ على بُعد شبر من معركة·
 
كنت على بعد شبرين من معركة لم تقتل فيها أحداً· أقتلتَ أحداً، ياعزيز؟، ساءله عثمان، ثانيةً، بصوتٍ مُستنطقٍ، غير مستفزٍّ·
 
قتلتُ هاربيْنَ من دعوة الملك الناصر صلاح إلى اللحاق بعسكر قُوَّاده· قتلتُ تسعة بنفسي في أهوار الفرات، وأعدْنا ستة وثلاثين إلى الخدمة، أنا والفصيل المكلَّف باقتفائهم· هم في جيش عجلون، الآن، قال عزيز·

الصفحات