أنت هنا

قراءة كتاب السماء شاغرة فوق اورشليم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السماء شاغرة فوق اورشليم

السماء شاغرة فوق اورشليم

"السماءُ شاغرةٌ فوق أورشليم" عمل روائي للشاعر والروائي سليم بركات، صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كثيرةٌ هي صفحات الحروب التي تنام في بطون التاريخ، ومتنوعة هي الأعمال الروائية التي تناولت هذه الصفحات بشتى أصنافها وأهميتها وماتركته من آثار ودروس وعِ

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
انتظرتُ هذا طويلاً، قال جميل رجب الله، ابن السادسة والثلاثين بلكْنة مِلَّته من قاطني سيناء، تمدَّد على لِبْده، بعدما أزاح جراداً· صفَّر بفمه توقيعاً خاملاً، خفيضاً، من غناءٍ حنينٍ، فوبَّخه عبد الجليل، ذو الأنف المستقيم:
 
ـ أنت تعَضُّ قيلولتي ياجميل·
 
أوقف جميل صفيرَه الخافت· ابتسم عن أسنانه المصفرَّة بين شفتيه السمراوين، الداكنتين، في وجهه الداكنِ السُّمرة:
 
ـ أقيلولتك قاسية كخبزنا؟· ستؤلم أسناني إنْ عضَضْتُها·
 
قيلولتي رَخْصة، طرية، كبطن الجرادة، ردَّ عبد الجليل·
 
عَلَت غمغماتُ توبيخ لهما، واستياءٍ ، من أفواه الآخرين، متمدِّدين على لُبُودهم، يستجدون، بطاسات أجسادهم، دراهمَ القيلولة الرطبةَ· غطوا وجوههم بعماماتهم· توسَّلوا الظلامَ عَوْناً للنزوح، سريعاً، إلى حدائقه·
 
خمدَ المعسكرُ الدائريُّ، كالجراد ذاته لايتحرك في الظهيرة· حياةٌ قليلةٌ كانت تعلن عن نفْسها، على التخوم، من جنودٍ مثنى مثنى، متباعدين، يستطلعون الآفاقَ متماوجةً في وهج القيظ، تحت ظُلَل من سقوفٍ قصبٍ، وحزمٍ قشٍّ رفعوها على أعمدة غير عالية· الجيادُ، نفْسُها، لم تُعِرِ الذبابَ اللحوح ما تعيره، عادةً، من جدالٍ بأذنابها· تراجعت الحياة مع الظل المتراجع·
 
عصراً تنفَّست الظلال قليلاً فانبسطتْ حذرةً، ثم استطالت زحفاً صوبَ الشرق، لكنْ لم تتنفَّس الخيام· بات الهواء الراكد، في أعماقها، أكثر ثقلاً، فأفاق النائمون من قيلولتهم بأفواهٍ مرتخية سالَ اللعابُ من زواياها على اللِّحى· أفرغَ كلٌّ نصفَ إبريقه ماءً في جوفه المتماوج من نفخ الملح· خرجوا من الخيمة، كالجنود الآخرين جميعاً، بهيئات نسختْها الظهيرة واحداً عن آخر، إلى النسائم الساخنة، لكنها نسائمُ تنتعش بها جلودهم المتعرِّقةُ من نومٍ مختنق· لجأوا، كلجوء كل عُشارية من الجند، إلى جدار الخيمة الشرقي، الناشر ظلاً قصيراً بَعْدُ، فجلسوا صفًّا على العشب البري، اليابس المتقصِّف من سلوك الأقدام عليه· أفسح الجراد لهم، متأفِّفاً، بقفزٍ قصيرٍ، متلاحق، مواضعَ جلوسهم·
 
أمسك محمود خان زَرَزْوُك بجرادة من وسطها، متلافياً رَكْلَ ساقيها الخلفيتين المنشاريتين· بسط جناحيها، على جهتي جسمها، بين سبَّابتي يديه وإبهاميهما: ألا تشبه صليباً؟، قال بعربيَّة من لكْنة أكراد حلب·
 
أفْلت الفرنجةُ النصارى علينا صُلباناً حيَّة، قال جميل رجب الله، النحيل الوجه في لحية سوداء جعْدةٍ· وضع قدميه في الخُفَّين، اللتين حملهما من الخيمة: نسمِّي الجراد بأسماء الجنِّ في سيناء
 
أتقسِّمون الجرادَ فصائلَ، لكلِّ فصيل اسم جانٍّ، أمْ تسَمُّون كلَّ جرادة باسم جنيِّ؟، ساءله عمروس، ذو الشعر الأسود، المتماوج، الطويل·
 
ماأسماء الجنِّ، التي بلا حَصْر في علوم ملَّتك، ياجميل؟· أعندكم خزائن الله؟، تساءل عثمان، ذو الفم، الذي تتدلَّى شفته العليا على السفلى حتى تكاد تغطيها·
 
أنا سألت جميل رجب الله أولاً، ياعثمان، قال عمروس، ذو القميص الأسود، الطويل، الحافي القدمين· أردفَ: أجبْني أولاً، ياجميل، ثم أجِبْهُ
 
نسمِّي كلَّ جرادة باسم، ياعمروس· أسماؤها هي كأسمائنا، ياعثمان· لم يكن للجنِّ أسماء قبل وجود آدم· حين رُزق آدم وحواء بأولادٍ فسمَّوهم، اقتدى بهما الجنُّ فتسمَّوا بأسماء أولادهما· للجنِّ أسماؤنا، ردَّ جميل، المعتدل القامة·
 
مااسم هذه، مثلاً؟، ساءله جلال، الأبيض البشرة، وهو يرفع جرادة بين أصابعه أمام عَينَيْ جميل، فردَّ الدَّاكنُ السُّمرة:
 
ـ هي أنثى· اسمها نَيْنورة·
 
كيف عرفت أنها أنثى؟، ساءله أسمقان، ذو الشعر الأسود القصير·

الصفحات