أنت هنا

قراءة كتاب طبيب تينبكتو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
طبيب تينبكتو

طبيب تينبكتو

رواية "طبيب تينبكتو" لعمر الأنصاري، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت أواخر سنة 2011، هي رواية تستمد وقائعها من أحداث حقيقية حصلت بالنصف الثاني من القرن العشرين، توحي بأنها تحمل تجارب شخصية مر بها الكاتب أو أقاربه ومعارفه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
صعدنا إلى الكثيب العالي لتبدأ أرجلنا الغوص في الرمل الذي يأبى الانهزام أمام اخضرار الوادي، كأنما يعلن للعشب أنه دخيل عليه في الصحراء·· وأنه لا يمكنه تجاوزه مهما مد عنقه إلى السماء·
 
علونا سنام الكثيب الذي يتخذه عمي مكانا لإعلان غزوته الصغيرة؛ إذ يتخيّر الوجهة منه· أخذ يذهب ببصره، يبعد به ويدنو لا يلجمه غير شعاع الشمس التي أطلت لتوها·
 
قال: انظر·· انظر يا محمد جفلتُ حين رأيت ظبيين صغيرين يتقفزان في الهواء كأنما أرجلهم في النار·· لا يستقرون فرحا، ربما لإخبار الجن الذين يسكنون قلوبهم كما قال أبي·· أن النجاة ستكتب لهم اليوم·
 
أدرت نظري قليلا ورأيت المهاة الكبيرة·· كأنما كرهت لهو صغارها خشية المتربصين بهم· نظر إليَّ عمي وقال: ما رأيك؟ هززت رأسي يمنة ويسرة دون التحدث· ابتسم وقال: لن نصيدهم·· سنبحث عن غزال يكون قد ملّ الحياة ولا يمكنه إنقاذ نفسه من السباع·· ضحكتُ من تبريره في الصيد·
 
مضينا حتى إذا مررنا بصخور ثلاث شرقي النبع كأنما نزلت من السماء؛ إذ لا جبل ولا صخر غيرها هنا· يتردد فقط أنها لثلاثة رجال نكثوا عهدهم وخانوا الأمانة فعوقبوا بأن مسخوا حجارة ليكونوا عبرة للمتعظين· 
 
وكان أهلنا يدعون على من يشكُّون في ذمته وأمانته أن يمسخ حجارة كتلك، وكنا بدورنا نحن الصغار لا نخاف شيئا خوفنا من أن نمسخ حجارة·
 
أما غربي النبع فتطل عليه شجيرات متسقة بالغة الطول كأنما وضعت بعناية وقصد لتكون سياجا للنبع· 
 
ألفينا اليوم سرباً من البجع المهاجر يرتوي في النبع·· وقد أحاله إلى بياض لا نكاد نرى الماء فيه لكثرته·
 
انصرفت ألهو بمشاهدة البجع يتبختر بسيقانه الطويلة في الماء ينقره بلمح البصر لاستخراج ما يجده من طعام· فوجئت بعمي قد أطلق رصاصة فاعتقدت أنه قرر اصطياد الطيور، لكن غزالا كان يحتضر بعيدا عنا خلف شجرة طلح قرب النبع هو ضحيته اليوم· 
 
أنهى الغزال الذي ملّ الحياة كما أقنعني عمي رحلة صيدنا·· ورأى أنه من الإجحاف أن يخرج بي في رحلة ويعود باكرا· حينها، أخرج سكينه وطلب مني جمع بعض الحطب والأعواد والعشب اليابس، فقد قرر الاستئثار بكبد غنيمته قبل الإياب بها· أنزل خُرجاً صغيراً كان يحمله· أخرج معدّاته وعلى جانب النبع جلسنا نشوي كل ما كان بجوف ذلك الغزال المسكين·
 
أمرني عمي كالعادة بتولي إعداد الآتاي، فاستخرجت بدوري الإبريق الصغير والكاسات، وإذا ما أخذت أقلب كاسات الآتاي في الإبريق كل ما صببته رافعا الإبريق حذاء رأسي لصناعة رغوة جيدة تنتصف أعلى الكأس·· هز عمي رأسه إعجابا بإتقاني للآتاي، ويبلغ الرضى عنده الغاية حين يرتشف منه رشفة فيهز رأسه مرة أخرى تأكيدا لإجادتي لعملي· ولا يُفوِّت حينئذ أن يقدم لي خير ما يشويه من لحم بدوره·· قائلا: آتاي جيد يستحق طاجين جيد فأقول بدوري بل: طاجين جيد يستحق آتاي جيد فنغرق في الضحك معا في حكاية كثيرا ما كررناها في مثل هذا الموقف الذي نتنافس فيه·· كل منا في إتقان صناعة ما يقوم به من مهمة في رحلة الصيد·
 
جلسنا على مأدبتنا نتكئ على الصخور·· أخذتُ أنظر إلى الطيور التي فزَّت رعبا من صوت البندقية حين أطلق عمي الرصاص على الغزال·· رأيتها وقد بدأت في العودة بعد سكوننا وبعد أن أيقنتْ أنها ليست خصمنا الذي نبحث عنه اليوم·
 
سألت عمي، حين عرفت من صبية الحي أن بعضهم يصطاد البجع حينا من باب اللهو·· دون أن أكشف له ما ائتمنت عليه من سر من رفقتي!
 
قال: لا·· لا نأكلها!
 
قلت له أهي مثل الأرانب؟ قال: نحن لا نأكل هذه الأشياء·· نحن لا نأكل السمك ولا الدجاج ولا الزواحف بأنواعها!
 
وقبل أن أسترسل في أسئلتي قال: هذا الطير يعتقد همادو جارنا وجماعته أنه مقدس·· وأن من يقدمون على قتله يصابون بالجفاف! قال: أتعرف أنهم يعتقدون أنه يجلب الخصوبة للأودية··!
 
يا لهول المصيبة·· كتمت أنفاسي، أقَتْلُ طير من مئة ألف يجلب البلاء سأنهر رفقتي إذا ما عدت اليوم كما قلت في نفسي·
 
تجاوزت ما كاد يلهيني من تفكير، ووجدتها فرصة للثرثرة مع عمي· سألته سؤالا تأخر طرحه، عن أسباب امتناع أهلنا عن أكل بعض الحيوانات· قلت له: سمعت أمي تقول لأمَتِنا تين الخير أن لا تكثر من أكل الدجاج لأنه يميت القلب! 

الصفحات