أنت هنا

قراءة كتاب طبيب تينبكتو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
طبيب تينبكتو

طبيب تينبكتو

رواية "طبيب تينبكتو" لعمر الأنصاري، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت أواخر سنة 2011، هي رواية تستمد وقائعها من أحداث حقيقية حصلت بالنصف الثاني من القرن العشرين، توحي بأنها تحمل تجارب شخصية مر بها الكاتب أو أقاربه ومعارفه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
قال: السبب أن الدجاج يعتاش على المهملات·· وعلى العذرة أحيانا فتقززت وعرفت يومها أن لقبيلتي كل الحق في عدم أكل هذا الطير النجس·· الذي لا يميز ما يأكل· سألته ألذات السبب لا نأكل الأرانب؟ ابتسم: لسبب آخر·· ستعرفه إذا كبرت! 
 
حملت معي استفهام عمي إلى أن بلغت الحلم، حينها عرفت أن الأرانب تمر بعادة شهرية مثل النساء·· فاقتديت بقبيلتي في كرهها ! لكن الذي خالفت فيه عمي ولم يستطع محاجّتي فيه، هو السمك· فقد اعترفت له يومها أني تذوقت السمك مطبوخاً ببهارات تينبكتو(7) مع الأرز في آخر مرة علوت فيها ظهر قارب البضائع القادم من تينبكتو· صمت·· وقال مستغربا: ألم تزعجك رائحته الكريهة؟ هززت رأسي·· أن لا· ضحك، وقال: في المرّات القادمة تناوله وأنت بعيد عنا
 
عمي موتّفا كما حكت لي والدتي، من أقوى الشبان، لا يبارى في نزالات المصارعة ولا في السباقات التي تجرى على الشاطئ، فضلا عن الفروسية والرماية التي كنت شاهدا عليهما·· فما أشرت له إلى شيء وطلبت منه أن يصيبه ببندقيته إلا تمكن منه، يمكنه قنص رقبة نسر في كبد الشمس لو شاء· 
 
سألته عن قصة من قصصه الشهيرة؛ إذ كانت أمي تداعبه إذا أرادت الاستعانة به في أمر صعب· تقول له : يا قاتل الأسود ألا تصنع لي كذا·· أو كذا سألته اليوم عن قصة الأسد· قلت له يا عمي: هل قتلت أسدا بالفعل، رغم معرفتي بقصص قتل الأسود المعروفة بين ذوينا، أطلق ضحكة وفرك رأسي· قال: أنت أيضا ستقتلهم إذا اشتد ساعدك بإلحاح روى لي القصة: كنا في الطريق إلى تينبكتو بعد ولادتك بثلاثة أعوام، وقابلنا أحد المسافرين فارا بجلده على ناقته·· أجلسناه وأعطيناه الماء وصنعنا له الآتاي حتى سكنت نفسه· قال لنا إنه مع رفيق له هاجمهم سبع كبير في الغابة التي تلي الوادي·· وتمكن السبع من رفيقه فيما هرب ونجا هو بجلده· عرفنا أن الأسد سيكمن لنا في الطريق·· طالما عرف أن الناس تمر به، أخذنا المسافر معنا حتى إذا اقتربنا من المكان طلبت منه أن يتقدمنا وأن لا يخف· أخرجت بندقيتي ولقّمتها الرصاص، لكن الأسد لم يخرج· وجدنا آثار ضحيته وكذا الدماء على العشب حيث سحب بقية جسد الضحية، تتبعت ذلك الدم أنا ورفقتي الثلاثة، اتفقنا أن نطلق عليه النار سوية· لم نفطن، حتى وجدنا الأسد أمامنا، وجدته يقفز نحوي· فأخذت الرصاصة مبتعدا وأودعتها تحت ذقنه وهو في الهواء· وما إن كاد يسقط عليّ حتى لقّمه رفيقي رصاصة أخرى استقرت بين عينيه
 
استمتعت بالقصة كما لم أستمتع بقصة مثلها·· وأخذني الفخر والاعتزاز بعمي قاتل الأسود·
 
كانت ساعات الضحى إلى انقضاء حين أقفلنا راجعين· أمرني عمي بالاستعداد للعودة، سلكنا طريقا آخر، يمر بواد شديد الاخضرار· رأيت سوادا عظيما مقبلا أسفل الوادي· كان سربا من الخيول البرية التي تسوقها الجن حسب اعتقاد أهلنا، وقفنا قليلا ننظر إليها تتسابق·· تدور أحيانا حول الوادي كأنما تطاردها العفاريت· 
 
سألت عمي هي لمن؟ أخبرني أنها ليست لأحد· لكنه أحاطني أيضا، أن بعض الشبان الأقوياء يخطفون صغارها أحيانا لتربيتها وترويضها·
 
جلسنا برهة حين رأى عمي إعجابي بالمشهد، وليريح كتفه قليلا من الغزال الذي كان يحمله، سألته عن ما إذا كان حصان أبي الأسود من هذه السلالة· ضحك وقال: أعتقد أن حصان أخي هو كبير هذه السلالة إذ كان عمي هو الذي يمتطيه في المناسبات وكان هو الفارس في السباقات·
 
قال: إن المتسابقين يا محمد يرفضون أحيانا مشاركة حصاننا في سباقات الشاطئ في الأعياد، لأنه من سلالة جياد الجن حسب معتقدهم ابتسمت وطلبت منه أن يعلمني امتطاء حصاننا·
 
يضحك: أخشى أن يصيبك منه ما أصابك حين حاولت الاقتراب من ناقتكم
 
أعاد إلى ذهني قصة ناقتنا التي كنت أمر بين رجليها وهي واقفة قبل سنوات·· في لعبة أدركت شقيقتي الصغرى فاطمة خطورتها ورفضت مشاركتي فيها؛ إذ ركلتني الناقة بخفها على وجهي الذي تورم· يومها قررت عدم استظراف أي حيوان، ولولا خلطة أعشاب السدر التي صنعتها لي أمَتُنا تين الخير يومها وداوتني بها لتشوه وجهي إلى الأبد؛ إذ كانت تين الخير إضافة إلى أدوارها المتعددة، كانت طبيبة العائلة كذلك·
 
انصرفنا من الوادي، ذهبنا وقابلنا مجموعات الرعاة من أقاربنا· طلبت من عمي البقاء معهم بعض الوقت فوافق، على أن أعود مع أول دفعة· انضممت إلى أحد أبناء الخؤولة يرعى أبقار ذويه الكثيرة· كان قد صنع للتو من القصب ناياً يتعلم النفخ فيه لتزجية الوقت· حاول أن يعلّمني بعض ما تعلمه، لكن أولى محاولاتي باءت بالفشل· لجأنا إلى ظل شجرة سرح ضخمة· جلسنا استمع منه إلى حكايات الرعي·· وكيف ولدت إحدى أبقاره وساعدها·· وكيف رأى واحدة أخرى تحتضر فذبحها قبل موتها وصنع من لحمها القديد· 
 
لم تعجبني قصص الرعي على أية حال· كان الشيء الوحيد الذي أعجبني بالرعي وجعلني أتمنى ممارسته حين أكبر هو الحرية التي يمنحها لممارسيه·· إذ يحررك من حياة الناس·· فضلا عن شعور القيادة لقطيع يأتمر بأمرك!
 
انضمت إلينا قريبة أخرى بالغة الجمال قاربت البلوغ، كانت من ضمن من يتعلمون الرعي مع إخوتها· وصلت وهي تبتسم، كأني أشاهدها لأول مرة، نظرتُ إلى ابتسامتها الجميلة قد أسفرت عن أسنان بيضاء جميلة·· ولثة حمراء داكنة جراء علكها أعواد الأراك· جلستْ تسألني عن أختي الكبرى حليمتو، وعن الصغرى فاطمة، قالت: سمعت أنك استظهرت القرآن أخيرا إذ اعتبرتني متأخرا في الحفظ·

الصفحات