أنت هنا

قراءة كتاب طبيب تينبكتو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
طبيب تينبكتو

طبيب تينبكتو

رواية "طبيب تينبكتو" لعمر الأنصاري، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت أواخر سنة 2011، هي رواية تستمد وقائعها من أحداث حقيقية حصلت بالنصف الثاني من القرن العشرين، توحي بأنها تحمل تجارب شخصية مر بها الكاتب أو أقاربه ومعارفه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
- يرد الشيخ الزروق·· لا حول ولا قوة إلا بالله
 
- أنقذنا يا شيخ·· أنقذنا يا شيخ·· أهلنا قتلهم التمساح الممسوخ قتلهم الشيطان يا شيخنا·
 
ساد الاعتقاد حين قال الممسوخ أن ساحرا من جنسهم في الضفة الأخرى للنهر·· يتحول إلى تمساح كما يشاع·· هو الذي قضى على الصبي، وعلى قريب الرجل، واعتقد الناس أن الساحر يستهدف العائلة المنكوبة· 
 
كما اعتقد بقية زكاتن أن الساحر المسخ أصبح يستهدفهم·· وأن شيئا في الدنيا لن يُلجمه إلا الشيخ الولي الذي هرع الناس إليه خوفا من أن تمتد إليهم يد الساحر، إذ قيل إنه يمكنه التحول إلى ما شاء من المخلوقات المرعبة التي ستقضي عليهم·
 
زاد من الاعتقاد ما يأتينا به أهل الضفة الأخرى من الأخبار، حين أخبرونا قبل فترة أن الساحر المنعزل وسط مزارع القصب قتل لهم بقرة اقتحمت عزلته بعد أن تحول إلى تمساح·· والتهمها·
 
جلس الجميع يعيدون القصص على الشيخ حتى أقنعوه أن المسخ سينال منهم ولن يتوقف، حينها فقط أمرهم بالانصراف· وقال: إن شاء الله
 
استبشر الجميع خيرا بتدخل الشيخ الجليل في المصيبة التي ألمت بهم ونزعت من قلوب الأمهات الحياة·· وزرعت الرعب في مصدر رزق جيراننا وشركائنا على النهر· 
 
ولكم قال عمي لهمّادو مازحا حين تقع لهم مصيبة كهذه، إن عليهم ترك النهر وما فيه والاشتغال بالرعي مثلنا لتجنب التماسيح وأفراس النهر· لكن جيراننا الذين يعتاشون من النهر مستعدون للتضحية بأي شيء للاستمرار في جني رزقهم منه· فيما توقفت استفادتنا نحن منه على سقيا البهائم حين لا نجد آبارا· ولكم استغربت من عمي حين حاول أن يشرح لي فضل ماء الآبار على ماء النهر في سقيا البقر، مؤكدا لي أنه لا يجود بأفضل الحليب سوى الأبقار التي ترد الآبار؛ إذ يصعب على البقر هضم طعامها بماء النهر الثقيل عليها! 
 
انصرف الجمعُ عن الشيخ الزروق يتساءلون عن ما قد يفعله صبيحة الغد·· رغم ثقتهم البالغة به· ليبدأ الناس مذ فلق ضوء الفجر في التوافد أفرادا وجماعات على الشاطئ·· فيما لا نزال نسمع أنين الأمهات الثكالى·
 
أفقت حين همست لي والدتي التي تريدني أن أقتفي سيرة الشيخ، فذهبت لاستطلاع المعجزة المنتظرة، حاول أبي المتيقن من مواهب الشيخ الجليلة أن يبقيني، ولم يتركني حتى عرف مني الإصرار·· وعلم رغبة والدتي في ذلك علّ الحادثة تزودني بجرعات من اليقين·
 
رأينا الشيخ يتقدم وحيدا بعمامته السوداء وثوبه الأبيض· مشى بخطواته يتهادى على الشاطئ والجميع يمشون بمحاذاته وخلفه بهدوء ووقار وصمت· بلغ نهاية منطقة السباحة والصيد، أخذ حجرا صغيرا كان في يده ورمى به بأقصى قوته· عاد مجددا من حيث أتى ومشى بمحاذاة الشاطئ حتى بلغ أقصى الناحية الأخرى·· فأخذ حجرا آخر ورمى به بالطريقة نفسها· إثرها، توجه نحو الشاطئ ومد يديه بانفراج بمحاذاة صدره مشيرا إلى المنطقتين اللتين رمى بالحجرين فيهما، ثم نظر إلى الجمع وقال: اعبروا واسبحوا ومارسوا صيدكم بين هاتين المنطقتين اللتين رميت بالأحجار فيهما ولن تخشوا إلا الله قال عبارة أخرى لم يكد أحد يسمعها:  أما خصمكم فلن يهنأ بم ابتلعه تنفس الجميع الصعداء·· وهللوا· انفض الجمع خاصة زكاتن وهم ينحنون أمام الشيخ امتنانا·· ولا يخالطهم ريب في مضاء عُقده التي رمى بها·· في أنها ستكون تميمة نجاتهم الدائمة· 
 
سكنت النفوس· حتى إذا أسفر صبح يومنا التالي·· سمعنا صياحا عظيما·· أخذتُ ومن في الحي نجري لاستقصاء الأمر·· كان الشبان الزنوج يشيرون إلى جسم يطفو على النهر· جسم أخضر كأنما لعنة نفخت فيه روحها·· ومزقته· كان تمساح عظيم لم ير له مثيل·
 
أحجارِ الشيخ الصغيرين فعلتا به هذا الفعل·· ماذا لو كانا حجرين ضخمين إذاً لأتتا على قبيله·· الله أكبر·· الله أكبر كان هذا ما تفوه به والد الضحية حين رأى انتقام الغيب من التمساح المسخ الذي ابتلع ابنه· 
 
نمضي سنوات بعدها على الشاطئ، لم نسمع بأحد قتلته التماسيح، ولا أفراس النهر المنتشرة بالمنطقة التي حددها الشيخ للسكان، عدا سفيه سخر من الناس فتجاوز الحدود المرسومة فمزقه فرس نهر تربص به·
 
ولسوف تجعلنا هذه الحادثة نستذكر أيام تاريخ شيخنا الجليل وسيرة آبائه الأولياء، فالزّروق وريث علم·· وقوة خفية، وشجاعة نادرة· ورث ذلك من شقيقه الأكبر الذي رباه·· إذ لا يتأتى العلم والولاية في الصحراء، ولا الكرامات إلا عن طريق وراثة·
 
فقبلُ، بسنوات طوال، قتل أخوه الأكبر الذي ورّثه الولاية تمساحا في الناحية نفسها، لكن بيديه! بعد أن كثر ضحاياه· لكن ورغم ما أوتيه من أسرار وعلم يمكنانه من القضاء على التمساح·· أراد إعطاء الجميع درسا في الشجاعة حينها، كما تقول القصة التي أعاد الناس تداولها منذ الحادثة· 
 
كان المولود في العقد السابع من عمره حسب الرواية حينها· غضب من الرجال الذين تقاعسوا عن قتل التمساح، أراد إعطاءهم درسا في الشجاعة· تقول القصة إنه طلب من ابنته الوحيدة أن تجمع عمائمه وتعقدها على يده اليسرى·· وأعطاها خنجره الطويل وأمرها أن تذهب به إلى الحداد لشحذه·

الصفحات