أنت هنا

قراءة كتاب طبيب تينبكتو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
طبيب تينبكتو

طبيب تينبكتو

رواية "طبيب تينبكتو" لعمر الأنصاري، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت أواخر سنة 2011، هي رواية تستمد وقائعها من أحداث حقيقية حصلت بالنصف الثاني من القرن العشرين، توحي بأنها تحمل تجارب شخصية مر بها الكاتب أو أقاربه ومعارفه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
كان الهدف خلق مساحة أكثر رحابة في الجانب الذي أنام فيه، والذي يزحمني فيه صندوق أبي الأسود·· وكنت أزاحم فيه أختيَّ· كما تمكنت والدتي من الإفساح لأوانيها ومِخضّ اللبن المعلق في ركن الخيمة· واستطاعت جلب بعض الحصر الجديدة والمخاد لأثاث خيمتنا· وحصر أخرى لمد الظل لوالدي الذي تلاحقه أمي بالظل تفيّئوه به؛ إذ يبدأ يومه مع ماعون الآتاي في ظل خيمتنا وقت شروق الشمس حتى ينحسر عنه الظل، ثم يلج إلى الخيمة للقيلولة حتى يأْذَن وقت العصر، حينها يسحب أديمه إلى شرقي الخيمة متفيئاً ظل العصر الذي يستمر إلى وقت الغروب·
 
انتهينا وقد بدت خيمتنا أكثر اتساعا وجمالا، كانت الشمس تميل إلى الزوال حين أمرتني والدتي كالعادة بالوقوف في الشمس لتتبين بظلي وقت الزوال لصلاة الظهر· كنت شديد الحرص على لعب هذا الدور، حتى إذا ما كنت خارج الحي أو بعيدا عن خيمتنا أهرع إلى والدتي وأقف في الشمس بين الفينة والأخرى لأتأكد من زوال الشمس، فليست حريصة على شيء في الدنيا كحرصها على أداء صلاتها في وقتها·
 
كان والدي يومها قد جعل انشغالنا بالخيمة فرصة لزيارة وليُّ الحي والعالم الجليل الزروق، عرفت ذلك حين تناول في الصباح عمامته السوداء الجديدة التي يلبسها في الزيارات·· بعد أن لبس درّاعة زرقاء لا يلبسها إلا في الجُمع، كما أخذ معه كيساً من القديد الجديد الذي يهديه للشيخ· كان يصطحبني في تلك الزيارات أحايين كثيرة ليقرأ الشيخ عليّ من الأوراد ما يحصّنني ويباركني به، ولولا مساعدتي لأمي يومها لأخذني هذه المرة أيضا·
 
عاد والدي من زيارته، وفور وصوله إلى خيمتنا تناول إبريق الماء وبلل شعر رأسه استعدادا للحلاقة· وما إن فرغت والدتي من إزالة شعر رأسه، حتى أمرني وأكرهني على الحلاقة معه بدعوى وقايتي من القمل· وكان ذلك أسوأ أيامي·· وأكثر ما يغضبني منه· وأسوأ من ذلك، شعيرات يبقيها في مؤخر رأسي، يقول إنها تجلب البركة في حين لا أعتبر الأمر سوى تشويه لي كما أقول له· ذهبت بعد أن أكرهت على الطقس البغيض إلى عشة أمتنا تين الخير التي تخفف عني المصاب في مثل هذا اليوم·
 
أخذتني نومة عصر عندها، كانت سببا في توبيخ والدتي لها، كانت قصصها الأسطورية عن الجبابرة تخفف مصابي·· أغرقتني في التفكير في تصور أشكالهم حتى أخذني النعاس· بيد أن غضب والدتي لم يكن بسبب نعاس العصر المكروه، بقدر ما كان بسبب تخلفي عن أخذ حصص من السمن والقديد وعدت قريبات لها أن ترسلها لهن معي اليوم· ما حمّلني اللوم، وجعلني أعلن لمن أرسلت إليهن تحملي المسؤولية جراء قصص خرافية ما أنزل الله بها من سلطان·· كما علمت لاحقا· 
 
ولسوف أتحقق بعدها من كل قصة تروى لي باستثناء قصص والدتي عن الأنبياء والأولياء والميعاد، تلك القصص التي لن يخالطني ريب فيها·· وإن فاق تصورها عقلي·
 
بعد توسعة خيمتنا أصبح بإمكان عمي الإتيان والقيلولة معنا هو وزوجته للا عيشة، جاءا إلينا هذه المرة ومعهما بقية لحم الغزال الذي اصطدناه بعد أن ملّحته للا عيشة وجففته في الشمس وحال إلى قديد لا نظير له· تناولناه أنا وأختيّ· 
 
وفيما تنحت للاّ عيشة التي تعد لنا الآتاي في القسم الذي تدير والدتي منه أمورها في الخيمة حيث تحفظ أدوات الطبخ وأواني الحليب والسمن، جلسنا أنا وعمي وأبي في القسم الآخر الذي أنام فيه أنا وأختيّ·
 
كان عمي يتبادل ووالدي أحاديث طريفة وباسمة، حين سأله عمي مبتسما أنت أول شخص يمتنع عن أكل لحوم الغزلان في القبيلة
 
- (يبتسم أبي) كلا يا موتفا لست أول من يمتنع عن ذلك، الصيد للشبان، وما يحضرونه غنيمة لهم·
 
- إن كانت هذه حجتك فلم لم تأكله في شبابك يا أخي؟
 
- أكلته مرة حتى سمعت أحد شيوخنا يقول إنه ليس من النبالة ملاحقة طعام السباع ومشاركتهم فيه، فقد جعل الله لنا طعامنا·· فلِم نلاحق أرزاق غيرنا· كما أني أكره تناول ما لم يشرف الإنس على تربيته·· خاصة الغزلان التي تعيش وهي وجلة من الجن والإنس والسباع، ولسنا في مجاعة تضطرنا إلى تعقب الحيوانات وقتلها·
 
- أثق بورعك أخي لكنني لن أترك الصيد ومتعته ولم يحرمه الله علينا، خاصة أن محمد يشاركني هذه المتعة (يضحك)·
 
أمضينا يوما جميلا ومرحا مع عمي، رافقته وزوجته إلى خيمتهما وتوادعنا على أن يصطحبي عصر يوم غد إلى ملعب الكرة· 
 
جاء وصلى العصر مع والدي، كان معه مضرب الكرة الخاص به، تبادلت معه الابتسامة، توجهنا إلى الملعب الذي يفصل حينا الشرقي عن الحي الغربي الذي نقطنه· كعادتي، تناولت منه المضرب الطويل وذهبنا، وأثناء الطريق ما مررت بعشب أو شيء مهمل إلا وحاولت قذفه بالمضرب الكبير، كنت أُري عمي أن بإمكاني اللعب·· وأني ماهر في قذف الأشياء· لكنه قال لي: إنك صغير على اللعبة الآن، انتظر سنوات قليلة حتى يقوى عظمك·· حينها يمكنك الجري بالكرة والركض بها يوما كاملا دون أن يلحق بك أحد·· حتى تقتحم حي المنافسين بها

الصفحات