أنت هنا

قراءة كتاب طبيب تينبكتو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
طبيب تينبكتو

طبيب تينبكتو

رواية "طبيب تينبكتو" لعمر الأنصاري، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت أواخر سنة 2011، هي رواية تستمد وقائعها من أحداث حقيقية حصلت بالنصف الثاني من القرن العشرين، توحي بأنها تحمل تجارب شخصية مر بها الكاتب أو أقاربه ومعارفه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
عرفتُ هيبة الشيخ الزروق وأخيه، وعظيم قدر البيت الذي ينحدر منه، من خلال قصص عمي التي يسردها في كل مجلس أيامنا تلك، ليس عنه فقط، بل عن أبيه الذي ملأ الصحراء هيبة· وكان قائد قبيلتنا في حربها مع ايكوفار(8) حين دخولهم الصحراء· سمعت عمي يعيد القصة في مساء كنا نتحلق فيه حول موقد النار·· واجتمع الشبان من الحيّين الشرقي والغربي· أثار الحديث رجالا جلسوا، وقالوا لولا بركة الشيخ لهلكنا في كثير من الحوادث التي تقع لنا· قال عمي ليلتها إن قدرات الشيخ تفوق التصور· أسرّ للجالسين وأقسم بالخالق·· أنه قبل عامين حين تأخر المطر صلى جميع الناس صلاة الاستسقاء مرارا دون أن تنزل من السماء قطرة· وقال إنه خرج باكرا بعد صلاة الفجر يومها قاصدا الذهاب في رحلة صيد، وإذا به يمر أسفل الحي ليرى الشيخ عند الشروق يصلي خارج الحي وحيدا، وعرف أنه يصلي الاستسقاء حين انتهى وقلب رداءه· أقسم عمي ثانية، أنه توارى عن الشيخ وذهب، وما إن أمضى ساعة وهو في الصيد حتى نزل المطر الذي سالت منه تارّايت ويتذكره الجميع·
 
قال عمي ألا تعرفون أن الشيخ الزروق يستطيع أن يفعل فعل جده الذي كان يتوارى عن أنظار ايكوفار حين كان الجهاد إذا أحاطوا به وحاولوا القبض عليه! 
 
ادعى أحد الجالسين أنه يعرف القصة، حتى إذا بدأ في سردها بدأ يخلط في الأحداث فغضب عمي وأصمته، وقال: اسمعوا القصة عني، فأخذ يسرد قصص حرب الولي الكبير وقائدنا محمد وان أمقّار أي: الأكبر، تمييزا له عن أي شخص يسمى محمد بعده· 
 
كانت أكثر القصص التي سردها عمي قربا إلى نفسي، قصة زعيمنا الذي اعتززت باسمي حينما عرفت أن والدي اختار لي اسم محمدا تيمنا بنبينا محمد ، وبزعيمنا الأكبر· 
 
روى لنا: إن ايكوفار حينما دخلوا الصحراء، أمر الزعيم بإرسال الرسل وجمع جميع رجال قبيلتنا، ورجال القبائل الموالية لنا·· وقال للناس إن ايكوفار قد أحضروا البارود معهم، وليس معنا سوى السيوف والخناجر البيزنطية، فعلى كل من يخشى البارود أن يفارقنا·· وأضمن لكم أن أحدا منكم لن يقتل إذا تبعتم كلامي قبل أن يغمد سيفه في صدور عشرة منهم إن شاء الله قال عمي الذي حبس أنفاس الحاضرين بالقصة: إن الزعيم تقدم الخيل والجمال·· حتى أتى إلى موقع الوادي الذي احتله ايكوفار·· فدق طبل الحرب عليهم، ورفض الإغارة في الليل على جيشهم، وقال لن نغدر بهم كما يفعلون، بل سنعلن الحرب عليهم يقظين تنفس عمي الصعداء وتنفسنا معه، نظر إليّ، قال: يا محمد ليتنا أدركنا ذلك الزمن ثم أضاف:  أخذ الزعيم كومة من التراب وقرأ عليها {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}(9) ورمى بها وقال لرجاله: هيا أغشوهم
 
قال عمي:  إن طبل الحرب العظيم الذي دق إيذانا بالموقعة الشهيرة قرب أحد آبارنا أيقظ جيش ايكوفار، الذين انطلقت عليهم الخيل كالجن·· وأتتهم الجمال وأمطرهم الرجال بالرماح·· حتى إن الرجل ليرمي الرمح فيصيب به اثنان منهم بضربة واحدة·· حتى وقعوا صرعى كأن العمى قد تغشاهم، فقتلوا معظمهم واستسلم قائدهم للزعيم، الذي قام بعدها بقراه وضيّفه وأمر بتطبيبه ورعايته هو والأسرى، ثم جهزهم وقال لهم أتركوا الصحراء فهي لأهلها  
 
قال عمي الذي روى لنا القصة المثيرة إن الكومندان الذي أعتقه الزعيم، بلغ الناس أنه استقال من منصبه·· وحكمت عليه إحدى محاكمهم العسكرية بالسجن والنفي بعد أن رفض الدخول في الحرب مع أهل الصحراء·· جراء تأثره بمعاملة الزعيم له، وبالهزيمة النكراء· 
 
وختم القصة بسرد كرامات الزعيم الجليلة·· وقصص تواريه عن أبصار الأعداء إذا شاء·· وكثير من القصص التي لن أنساها ما حييت·
 
شوّقتني القصص لاقتفاء أثر عظماء أهلي تلك الأيام في العبادة، فكنت أقوم في الليل·· حين أنام ومعدتي ممتلئة بالحليب قبيل نومي، فتوقظني والدتي لقضاء حاجتي، فأرى أبي وأمي كل واحد منهما منهمك في قيام الليل·· يترقبون الفجر، مستغرقين في التسابيح· فأعمد إلى الانضمام إلى أبي لقيام الليل معه، وأذكر أني آتي بالركعة الأولى وسجدتها ثم لا أرفع رأسي بعد السجدة الثانية إذ يأخذني النوم·
 
فكان أبي يتركني على حالي مستغرقا في النوم ساجدا بجواره على ركبتي ويدي كما البعير، حتى ينتهي ويصلي الفجر فيقول لي أتعبتك العبادة·· قم وصل الفجر وعد إلى النوم فكانت أمي بعدها تشجعني وتقول له: سيتم الركعة الثانية في الغد
 
عادت الحياة بعد بضع حوادث·· وأفقتُ من نومة الضحى على صوت أبي يرحب بمن عرفت أنه أشهر مطربي قبيلتنا الذي قدم للتو من الغرب· سلم على أبي يسأله الدعاء· وما إن سمع بعض الجيران وصوله حتى توافدوا على خيمتنا أملا في الظفر بجلسة أنس كما جرت العادة حين ينزل المطرب ضيفا عند أحد الوجهاء· لكن أبي الذي لا تصمت شفتاه من قراءة القرآن، ترك الجميع حتى إذا جلسوا·· وبدأوا يتحلقون حول المطرب نساءً ورجالا·· أخذ لفافة من النقود خِفية وناولها للمطرب الذي لا شغل له في الحياة سوى تخليد قصص أجدادنا·· وإحياء أيامنا· 
 
قال له أبي: إن الخيمة لن تتسع لكم·· ما رأيك أن تقصدوا ظل تلك الشجرة الكبيرة وتتحلقوا فيه·· سآمر البيت أن يحضروا لكم الغداء وما إن سمع المطرب ذلك الاقتراح أخذ عوده، ووضع لفافة النقود في جيبه وتوجه بالجميع إلى الشجرة·· حيث اجتمع أهل الحي ذلك اليوم وتزينت الفتيات ورقصن·· ورشت النقود والعطور عليهن· واستمر الطرب والرقص لم يقطعهما سوى أداء صلاتي الظهر والعصر، وتناول الغداء·· حتى غابت شمس يومنا ذاك· كانت تلك حفلة صغيرة للمطرب الذي أتى للمشاركة في حفلات المولد النبوي التي بدت على الأبواب·· والتي سيعقبها عرس أفاجأ به·
 
يومذاك تنبهت لكلمات المطرب التي تغنى بها· سمعت معظم قصائده في مدح أجدادنا· وسمعت قصص قتلهم ايكوفار· وخوارق عاداتهم·

الصفحات