رواية آلام ظهر حادة، للكاتب السوداني عبد الغني كرم الله؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت؛ نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب آلام ظهر حادة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

آلام ظهر حادة
الصفحة رقم: 6
ومنذ ذلك اليوم، وأنا في أسوأ وضع يمكن أن يتخيله حذاء، فقد كان بدال العجلة بدون بلاستيك، بل مجرد حديد عارٍ، وحين يضغطني عليها يكاد ظهري أن ينقصم· ومع مرور الشهور، بدأت فقرات ظهري تتشقق، خاصة في منطقة الوسط والتي أوشكت على الانكسار، وخاصة الفقرة التي تضغط عليها ماسورة البدال، وصرت أشبه بفصين، ولم تنجح كل محاولات أطباء العظام من النقلتيه في رأب الصدع، فقد غرقت حتى أذني بالزيوت وقطع اللحام والسيور والمسامير، واحترق جلدي بشرر اللحام، ولم تسمع صرخاتي من ضجيج ماكينة اللحام، ولم يخفف ألمي، سوى ما رأيت من بلاء غيري، والأحذية على أشكالها تلبس، وذلك في يوم من الأيام حيث توقفت عن الدوران حول البدال، ونزلت الرجل التي تمتطيني واقتربت من زوج حذاء مترهل، ضامر، التصق بطنه بظهره، وكادت أن تختفي ملامح وجهه، ولولا صوته لما عرفته، فقد كان جاري في الفترينة المقابلة، فقلت مواسياً له ما الذي جرى ؟، فأشار إلى الأعلى، وحين نظرت لم أجد سوى كرش ضخمة ممتدة،، فلقت له: عجبي، هل اقتنتك أنثى ؟ وأنت حذاء رجالي أصيل، فقال لا، فقلت له ولكن كيف عرفت ذلك وهذه الكرش الضخمة تحجب عنك كل شيء، فقال، إنه لا يحترم خصوصيتي، ويستعملني في كل حوائجه، ولأني أقوم بوظيفة السفنجة، ففي الحمام رأيت كل شيء، بل إنه لا يتوانى عن إرساليأرض جو إلى ابنته التي تأخرت في ملء الإبريق، أو نحو وجه كلب أراد أن يلعق صحناً خاوياً في زاوية الدار، بل إنه يتركني طوال ليلي عند مدخل الحمام، لتستعملني كل الأرجل، وبكل الطرق· ولكن أشد ما يؤذيني، هو رجل متهورة، توقظني في منتصف الليل، وتدخل قدمها اليسرى في يميني، مما يمط ويشقق مقدمتي، ثم يسير مترنحاً نحو السرير، وأنام بشكل غريب، حين يكون وجهي باتجاه السماء، حتى تأتي ابنته في الصباح، وتنزلني من هذا الوضع المذل إلى ظل السرير· وقبل أن أبث له شكواي، تباعدت الأرجل، ولكن أوجاعه خففت آلامي المزمنة، وفعلاً الأحذية على أشكالها تلبس وتداس· وقد كنت أشكو من الوحدة، فلا يوجد في الدار غيري، وقد ترجلت بي عدد من الأرجل، الأسرة والضيوف، حتى الأطفال، فهناك أرجل من صغرها لم تكن تقوى على رفعي مثقال ملمتر عن الأرض، فظللت أحبو كالثعبان من ثقلي عليها، وهناك أرجل مستعجلة، لا تحترم آداب الامتطاء، فهي لعجلتها تضغط على مؤخرتي وتحط نسلي من عائلة الجزم إلى عائلة الشباشب·