رواية آلام ظهر حادة، للكاتب السوداني عبد الغني كرم الله؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت؛ نقرأ منها:
أنت هنا
قراءة كتاب آلام ظهر حادة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
آلام ظهر حادة
الصفحة رقم: 8
مشوار دامٍ
لا أخفي عليكم سراً، كم من المرات كنت أرثي لهذا الكائن ذي الرجلين، الذي يبدو كتلة من هم، بلا هدف، حيران، يتسكع كقارب بلا حبل، في بحر حياه متلاطم، الأرزاق·· المجهول·· الخوف·· كينونة الوجود·· الجوع والبرد، تركبه مثلي ملايين الأرجل، يتصبب عرقه في جسمي، فأشعر بملوحة وحموضه أحشائه، محروق بسجن الغرائز، سجن لا فكاك منه سوى الدخول بباب الموت إلى عالم آخر، لا يهمني ذلك العالم، لا شكله، ولا ماهيته، ولكن هل يا ترى فيه شوك، وحصى، وهل مازال بنو آدم يمتطون الأحذية، أم تظل الأرجل عذراء ولدنة، كأرجل الأجنة في الأرحام، ولم يخرج من ذلك الباب أحد، حتى أرى هل برجليه حذاء معفر!!
في الصبح، وقبل أن تهجر الطيور أعشاشها، وتمضي بلا أحذية في طلب قوتها المقدور، حشرت بداخلي الرجل· قدر لا فكاك منه· ثم ضرب ببطني وجه الأرض ثلاث مرات، حتى تنزلق الأتربة التي علقت على جلدي طوال الليل، وكان هذا هو الجرس لبدء حصة طويلة وثقيلة، ثم خرجت من الباب، توقفت عند العتبة، ثم سرنا نحو اليمين، رأيت بركة أمامي، سألت الله أن أتجنبها، فمررت بأطرافها، فعلقت على بطني سحابة من طين رطب، وكأنني أتيمم لصلاة جنازتي، ثم سرت بإيقاع أعرفه لشدة ما ألفته، طق طاق طق طاق، إنه إيقاع قلبه المريض بالترحال، ثم دخلنا قهوة تعج بالآدميين مثله، فدخلت صنوتي الشمال أولاً، ثم لحقت بنصفي الثاني وأنا أصرخ من حافة الباب وهي تدوس على مفاصلي المتورمة· سرى الألم في جسدي سريان البرق في الآفاق، ثم جلس على كرسي بهدوء، ثم ودعت فردتي الشمال، لترفعني رجله لأعلى وهو جالس على الكرسي، لأول مرة ترى بطني وجه الحياة· أشكالهم غريبة، مثل الأحلام المزعجة، ثم مسح على رجلي برفق، وكأنه يعتذر لي عما لحق بي من أذى عند حافة الباب، فرأيت الاشمئزاز من كتينة الساعة الجلدية من رائحتي، كلنا من جلد !! أنزلتني رجله لأختي برفق، بدأنا في الاهتزاز والضرب برفق على الأرض، مع إيقاع الموسيقى التي تتسلل من مذياع كبير، لأول مرة نتحرك دون أن نقطع مسافة أو تحبس أنفاسنا بثقله· أصابنا طرب ونحن نرقص برجليه الجذلتين، كانت كل الأحذية في المقهى تضرب على طبل البلاط جذلى فرحة، بينما تحملت الكراسي أدوارنا البائسة، ثم خرجنا من القهوة بعد نصف ساعة إلى طريق مسفلت، وقد شعرنا بزيادة ثقله بما يماثل كوب ماء وكوب شاي وثلاثة فناجين قهوة وقطعة كيك، وحين وصلنا إلى رصيف الشارع وقفنا حوالي ربع ساعة، رفع رجلي الشمال على الرصيف وتركني تحته، فسمعت أنين أحذية مسرعة، فسألت أختي عنها، فقالت لي بأنها أحذية بلاستيكية مكورة تمر بسرعة فائقة، مكتوب عليها بريدجستون ويوكوهاما، وهي تحمل على رأسها صناديق من الحديد وعليها البشر·