أنت هنا

قراءة كتاب آلام ظهر حادة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
آلام ظهر حادة

آلام ظهر حادة

رواية آلام ظهر حادة، للكاتب السوداني عبد الغني كرم الله؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت؛ نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

ولذا كنت أشكو من الوحدة ومن الأنيس، وكنت أنتهز يوم الجمعة، في حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف وحتى الواحدة، حيث تتراكم وتزدحم مجموعة من الأحذية أمام دار كبيرة، وهناك نضحك وندردش، ولكن سرعان ما تخرج الأرجل في طوفان، يسحق ما يسحق من سيئي الحظ، ممن كانوا عند عتبة الباب· وقد سمعت هناك عن قصص أحذية سعيدة، تطير على ارتفاع مئات الأقدام فوق السماء، وهناك أحذية تذهب إلى البحر، وهناك أحذية لا تعمل إلا يوماً واحداً في الأسبوع، وفي نجيلة خضراء، لا يتجاوز زمن عملها سوى تسعين دقيقة، وإن كانت تشكو من حذاء مكور، يصفعها بقوة في وجهها· وهناك أحذية خمسة نجوم، لا تسير إلا في الشوارع المعبدة، وقد ركبت بها عجلات صغيرة، فصار بطنها آمناً من الشوك وعلب الصلصلة، ووحل مياه الحمام، إلا أنها تشكو من السرعة الفائقة التي تجري بها، مما يصيبها بالدوار، وهي التي خلقت لتكون سرعتها نصف ساعة للكيلو· ولكن ساءني، ما سمعته عن حذاء منعم، لم تخدشه حفرة، أو عظم، ولم تنغرز فيه شوكة سدر أو مسمار، وهو يتندر من الأحذية الفقيرة المعدمة والوحيدة، وآخرها ذلك الحذاء الذي لم تكد حرارته تبرد وهو على عتبة الباب بعد مشوار طويل لصلاة العشاء، حتى امتطاه ابنه البكر وهو يبطىء الخطو نحو زقاق يشتهر بالمتع والسكر ولم يكن هذا الحذاء ذو المصير المؤسف المتناقض سواي، ولكني، لأني لست صغيراً في مبادئي، فلن أتفوه بكلمة، من أنه كان جاري عند عتبة المسجد، وعند عتبة الزقاق، كما أن حوافه المتآكلة بعض الشيء، تبرهن بلا أدنى شك، بأن صاحبه كثير الترنح، وغير متوازن في كل مشاويره التي تجري بعد التاسعة مساء· ولكن وبعد هذه اللقاءات الجماعية الأسبوعية، قررنا أن ندعو لاجتماع عام، ندعو فيه كل أحذية المدينة، لمناقشة هذا الوضع المسيء، وتم اختيار يوم الثلاثاء المقبل موعداً لهذا المؤتمر العام، وذلك لأن هذا الموعد يتزامن مع المباراة النهائية لكرة القدم، مما يعني وجود مائة ألف متفرج، وهذا يعني وجود أكثر من مائتي ألف فردة حذاء، وإن كانت الأغلبية من الرجال، ولكن سنعقد اجتماعاً لاحقاً يكون للأحذية النسائية فيه نصيب وافر· وبدأنا في الاستعداد لهذا الاجتماع، وتوصلنا لكتابة شعارات رئيسية، تملا أركان الملعب، ومن ضمنهاالوفاء بالوعد فضيلة، لأن هناك أرجلاً رجالية تواعد أرجلاً نسائية، مما يجعل الحذاء يمكث أطول فترة ممكنة في الانتظار، وفي حرارة الشمس· والحذاء كما قلتكالرياح، إذا توقف مات، كما نرفع شعار التركيز، لأن هناك عقولاً ذاهلة وشاردة وتكون عواقبها على بطون الأحذية من الاصطدام بالحصى والشوك والحفر، كما نطالب بالتقشفوحسب ابن آدم لقيمات، حتى تكون الأجساد ذات حجم ووزن إنسانيين مقبولين، لا تسحق بثقلها بطون الأحذية، كما طالبنا بالمساواة والاختلاط، فلوقع الحذاء النسائي، ذي المؤخرة الطويلة الضامرة، نشوة خاصة وخدر لذيذ، وهناك أيضاً الكثير من الشعارات المطروحة، وقررنا··في حال عدم تطبيق هذه الشعارات العادلة أن نلجأ لأساليب غير كريمة وحادة، وذلك بتهديد وفضح الأرجل، كل الأرجل· فنحن، وبحكم عملنا، نكاد ننافس ظل بني آدم في ملازمته، في حركاته وسكناته، في السر والعلن، ولذا نعرف الكثير من أسرارهم وفضائحهم، فنحن على اطلاع بما يدور في الحمامات، والأزقة، والحانات، وغرف النوم، والخلاء والمواعيد الغرامية، والخيانات، والمواقف المخزية مثل الجري بسرعة فائقة من كلب أو بسبب سرقة، أو الانزلاق على الأرض، أو القفز من سور عالٍ، أو سرقة حذاء عند الخروج من صلاة الجمعة، وما شابه ذلك من سلوك الأرجل البشرية· كما رفعنا شعار المساواة، فالحذاء الذي يضغط على فرامل السيارة، مثله تماما مثل الذي يضغط على بدال العجلة، والذي يضغط على دوار ماكينة الخياطة، لا يقل مكانة عن حذاء يحلق في ارتفاع مائة ألف قدم فوق سطح الأرض، ومثله مثل الأحذية الضخمة النظيفة لأرجل الشرطة والبوليس والضباط، فالعدو واحد، فالشوك والحصى، لا تفرق بين حذاء الغفير وحذاء الوزير، بل تؤذيهم جميعاً بالقسط والميزان، فالأرجل لا تنظر لوطن الحذاء إن كان صينياً أو ايطاليا أو يدوياً، فنحن كاللحوم، على أشكالها تشوى، وعلى أشكالنا نداس، وحقاً إن أي رجل بشرية لا تحس بأن الحذاء مثل الورد والقطة الأليفة وانحناءة الغصن، لن تحسن السير في الأرض، ولن ترى شيئاً ذا قيمة فيها، وستمضي إلى غروب الحياة، مثل ذبابة ظلت تطن في مسرح عتيق يعرض مخلوقات شكسبير الغريبة، ولم يعتمل في قلبها سوى طعم اللعاب السائل من أفواه أطفال نائمين على أكتاف أمهاتهم في كراسي المسرح العتيق· كما سنطرح شعار القناعة، حتى يقلل بنو آدم من حلهم وترحالهم بسبب الرزق، فلو جريت جري الوحوش، فسيهترئ حذاؤك، وغير رزقك ما بتحوش· وقال حذاء قديم، عرك السير والوطء، بأن حربنا مع بني آدم لن تضع أوزارها، ونسكن الفردوس المفقود، حتى يصفو بنو آدم من الكدر والجهل، فلو صح توكلهم على الله، لرأوا الحبل السري الذي يغذيهم بلا حول ولا سير ولا قوة، وحينها، فإنهم سوف يسيرون حفاة عراة، ولن تؤذيهم شمس السماء ولا شوك الأرض، ولا شبح الهلاك والانقراض، ويعيشون مثل الأجنة في الأرحام، ومثل الملائكة في السماء والشخوص في الأحلام، بلا قوت أو أحذية أو سفنجات وجزم· ولكن كل شعاراتكم هذه يا أبنائي، هي مسكن موضعي، وليست حلاً نهائياًبل احمدوا الله بأن لم تمتطيكم رجل ابن بطوطة، أو دون كيشوت، فأرجلهم قلقة ومغامرة، مثل بندول الساعة، ولجبتم غفار وجبال البرية، ولرأيتم سوء أوضاع أحذية الهند وجبال التبت واليونان وكريت، فهي تصنع من القش الرخو، ودون ذلك، يتوارى الظل أسيراً للضوء، وعلى أهلها جنت براقش، ولا يغرنكم بنو آدم، فهناك أشياء تمتطيهم كالحذاءفنعم التشبية مثل الجوع والخوف والمغامرة، وآخرها الموت، والذي سوف يذهب بهم في طريق بكر، لم يسلكوه من قبل· 

الصفحات