رواية "البحر والسم" للروائي الياباني شوساكو إندو؛ في سلسلة من الروايات الخفيفة، التي يغلب المرح على معظمها، يقدم إندو مجموعة من الشخوص، هي بوضوح شخصيات مسيحية، بمعنى أنها تعكس جوانب شتى في شخصية المسيح، وتجسد حبه· هذه الشخصيات أبعد ما تكون عن القوة أو البطو
أنت هنا
قراءة كتاب البحر والسم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
مقدمة المترجم عن اليابانية
برز شوساكو إندو كروائي في منتصف الخمسينات، وذاع صيته في 1958، حينما فازت روايته البحر والسم بجائزة أكوتاجاوا الشهيرة· وإلى جوار كتابة الروايات، عكف إندو كذلك على كتابة المسرحيات والمقالات الصحافية والكتابة للشاشتين الصغيرة والكبيرة· وإلى جوار هذا الانشغال، الذي يميز شئنا أم أبينا معظم الكتّاب اليابانيين، فقد ظهر بين الحين والآخر على الشاشة الصغيرة للتعقيب على هذه القضية أو تلك، كما أجرى مقابلات دورية للنشر في المجلات الأسبوعية·
تلقى إندو العماد، تتويجاً لاعتناقه الكاثوليكية، بينما كان طالباً صغيراً، من دون أن يفكر في الأمر كثيراً، أو يجد دينه الجديد باعثاً على الضيق، أو مصدراً للعزاء على نحو خاص· إلتحق بجامعة واسيدا، وهي إحدى الجامعات الخاصة الشهيرة في اليابان، معتزماً دراسة الطب، لكنه اختار الأدب الفرنسي· بعد فترة قصيرة أمضاها في الخدمة العسكرية في نهاية الحرب، مضى إلى فرنسا للقيام بالدراسات العليا، وخلال وجوده هناك تأثر كثيراً بالمدى الذي بلغته التقاليد الأوروبية في تجذرها في المسيحية، وبالتالي بأهمية هذه الأخيرة، حتى بالنسبة لأولئك الأوروبيين الذين لا يعدون أنفسهم رسمياً من معتنقيها· وشرع في مقارنة هذا الوضع بالموقف في بلاده وبموقفه الخاص حيال الكاثوليكية التي كانت بالنسبة له، ووفق تعبيره، لا شيئاً يشكل جزءاً منه، وإنما حلة ارتداها·
وفقاً لتصور طرحه الناقد والمترجم الأمريكي اللماح فرانسيس ماتاي، فإن إندو أدرك، شأن الكثيرين من المفكرين في اليابان قبله، أن الغرب يتلقى وحيه من الإيمان المسيحي، حتى حيثما يتعرض هذا الإيمان للرفض، وبالمقابل فإن الشرق يتلقى وحيه من نزعة وحدة الوجود، وهكذا فإن التفاعل الثقافي والحضاري يصبح شكلاً منطوياً على المخاطرة من أشكال التواصل· والكاتب الياباني الذي يحاول الاستعارة من الغرب يخوض غمار مخاطرة خاصة، فنزعة وحدة الوجود لا تعرف توتراً بين الأضداد، بين الخير والشر، بين الجسد والروح، بين الله والشيطان، على نحو ما هي الحال في قرارة الرؤية الشعبية المسيحية للحياة· يقول إندو إن مثل هؤلاء الكتّاب اليابانيين قد سقطوا، حتماً، على عنصر واحد، متجاهلين العنصر الآخر المتواتر معه، سواء بتجاهل العنصر النقيض تماماً، أو بتفسيره على نحو بالغ التهافت إلى حد يفتقر معه للقوة الكافية لجعله عنصراً في صراع حقيقي·
إختار إندو، من دون أن يردعه فيما يبدو الفشل المزعوم الذي مُني به العديد من أبناء وطنه، لا أن يحاول أن يصور على وجه الدقة هذا الشكل من أشكال الصراع فحسب، وإنما أن يضع هذا الصراع ضد السلبية الفاترة لنزعة وحدة الوجود، التي ينظر إليها باعتبارها المناخ الديني السائد في اليابان· والعبارة التالية توضح مدى الإصرار وراء هذا القرار وإلى أي حدّ أدرك صعوبة المهمة التي يتصدى لها:
بمقدورنا على الأقل أن نبدأ··· بوسعنا أن نحمل عالمنا المقعر من دون اله، وأن نقارنه بأقصى ما نستطيع من قوة بالعالم الغربي المحدب الذي يعرف وجود الإله· وأعني بقولي أقصى ما نستطيع من قوة أن علينا أن ننحي جميع المناهج التي تكبح الوهم القائل بأن عالمنا المقعر هو حقاً عالم محدب، وهو وهم لا يزال الكثير من الكتّاب حتى اليوم يؤمنون به، علينا ألاّ نفكر في أدب الغرب المسيحي باعتباره ينساب في تيارنا الحضاري، وفي الوقت نفسه ألاّ نبقيه على مسافة تكفل له التوقير، حيث إن هذا الشيء ذاته الذي يُفصل عنّا إلى هذا الحدّ الكبير هو الذي يثقل علينا أكثر من غيره·