رواية "البحر والسم" للروائي الياباني شوساكو إندو؛ في سلسلة من الروايات الخفيفة، التي يغلب المرح على معظمها، يقدم إندو مجموعة من الشخوص، هي بوضوح شخصيات مسيحية، بمعنى أنها تعكس جوانب شتى في شخصية المسيح، وتجسد حبه· هذه الشخصيات أبعد ما تكون عن القوة أو البطو
أنت هنا
قراءة كتاب البحر والسم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
مُفتَتَح
فـي شهـر أغسطـس، أشـد فصـول العـام قيظـاً، انتقلـت بمسكنـي إلـى هنـا، إلـى هـذه المنطقـة السكنيـة التـي يدعونهـا غـرب ماتسوبارا، وليس تعبير منطقة سكنية إلاّ إحدى نزوات الوكالة العقارية التي تمتلك المنطقة، ذلك أنه، لمّا كان على المرء أن ينفق ساعة كاملة ليصل إلى هنا من محطة شين جوكو في وسط طوكيو، فإن الدور كانت قليلة· إمتدّ الطريق الرئيس عابراً المحطة المحلية في استقامة صارمة، وراحت الشمس تلهب الطريق بوهجها الذي لا يرحم· تعبر العربات القلابة المنطقة دوماً، حاملة الحصى من مكان إلى آخر، وعلى ظهرها عمال في مقتبل العمر، يلفون مناشف حول أعناقهم، ويرددون الأغنيات الشعبية، على نحو ما يفعل أحدهم الآن:
إفرد قلوعك بلا
دمع على المرسى،
كن رجلاً، وغيّب حزنك!
تثير الناقلات سحباً كثيفة من الغبار في كل مرة تمر بالمنطقة، ثم حينما ينحسر الغبار يلوح تدريجياً لعيون الناظرين مشهد المحال على جانبي الطريق، على الجانب الأيمن كان هناك حانوت لبيع التبغ والسجائر وجزار وبدال، أما على الجانب الأيسر فهناك مطعم ومحطة للوقود، وهذا تقريباً كل ما هنالك· آه، لكنني نسيت أن أذكر أن هناك محلاً للملابس أيضاً، حانوت لا يحيطه شيء، يقع على بعد خمسين متراً من محطة الوقود، فلا تملك إلاّ أن تتساءل لماذا اختار صاحبه بقعة كهذه على هذا البعد من المدينة·
كست الناقلات لافتة محل الثياب الخاصة بالرجال وواجهة العرض التابعة له بطبقة سميكة وجيرية من الغبار· بدت في الواجهة دمية للعرض، لها لون الجلد الطبيعي، وقوامها يثير الانزعاج، وهي من ذلك النوع من الدمى الذي يستخدم في المعارض الطبية وما إلى ذلك، تمثل جذْع رجل فحسب، رجل أبيض فيما يبدو، ويلوح من الطلاء الأحمر الذي يعلو رأس الدمية أن مصممها كان يهدف إلى جعلها دمية صهباء، هكذا راحت الدمية، بأنفها الطويل وعينيها الزرقاوين، تبتسم اليوم كله ابتسامة غامضة·
حينما انتقلت إلى هنا، كنّا في وسط فترة جفاف كئيبة، وكان الحقل الممتد بين المطعم ومحطة الوقود قد جفّ وتشقّق، وراحت الجنادب تشكو محنة الجفاف·
قالت زوجتي:
- هذا الحر فظيع، أعتقد أني سآخذ حماماً، لكن الحمام بعيد، أليس كذلك؟
كان يتعين عليك للوصول إلى الحمام أن تقطع حوالي أربعمائة متر على امتداد الطريق الرئيس بعد تجاوز محطة الوقود·