رواية "البحر والسم" للروائي الياباني شوساكو إندو؛ في سلسلة من الروايات الخفيفة، التي يغلب المرح على معظمها، يقدم إندو مجموعة من الشخوص، هي بوضوح شخصيات مسيحية، بمعنى أنها تعكس جوانب شتى في شخصية المسيح، وتجسد حبه· هذه الشخصيات أبعد ما تكون عن القوة أو البطو
أنت هنا
قراءة كتاب البحر والسم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
غير أنني أتيت على ذكر هذا الهجوم لا لأعبر عن اختلافي معه فحسب، ولكن لأنني أعتقد أن قدرة إندو على إثارة هذا النوع القوي من رد الفعل تكشف الكثير عنه، فهي تبرزه مختلفاً بحدة عن كتاب من نوعية ميشيما وتانيزاكي وكاواباتا· وقد أبلغ جراهام جرين يوماً صحافياً فرنسياً أجرى مقابلة معه بأن تأليف الروايات أمر مختلف عن تأليف الأطروحات الدينية، وهكذا فإنه حين يجلس للكتابة فإن اهتمامه الوحيد هو إبداع أفضل رواية ممكنة، ومن ثمّ فإنه يؤثر أن يُعرَف بأنه كاتب تصادف أنه يؤمن بالكاثوليكية، وليس كاثوليكياً مهنته الكتابة، وقد نقل نقّاد كثيرون على اختلاف توجهاتهم هذه الملاحظات، وفي اعتقادي أنها يمكن أن تلقي ضوءاً على موقف إندو الذي تأثر كثيراً بجرين، غير أن ما أعقب ذلك لقي فيما يبدو إهمالاً عاماً، فقد أضاف جرين في هذه المقابلة قوله: حينما يكون المرء كاثوليكياً، فإن ما يكتبه يكون مصطبغاً بالكاثوليكية، وهنا أيضاً، وعلى الرغم من فرضية إندو الخاصة بالثنائية، فإن القاص الياباني يجسِّد معنى جراهام جرين في عبارته الأخيرة·
لقد طرحت المسيحية، أيّاً كان مدى صلاحيتها كدين، وأيما كان مدى تماسك الفكرة الدينية ذاتها، رؤية درامية للإنسان على الأقل باعتباره مخلوقاً حراً، وبالتالي بوصفه كائناً مسؤولاً وُضع في محور الكون بحسبانه كياناً قادراً على الهبوط إلى قرار اللعنة أو السمو إلى آفاق الخلاص· وقد كانت تلك الرؤية مناسبة لطبيعة الالهام الفنيّ، أيّاً كان القمع الذي مارسته الكنيسة ذاتها، وقد ألهمت هذه الرؤية، منذ كتب القديس أوغسطين اعترافاته، أكثر الآثار الأدبية التي عرفها العالم احتراماً في طابعها الشخصي·
بغضّ النظر عن يقين إندو أو انعدام هذا اليقين، فإن نبضه الفني هو نبض مسيحي تماماً بالمعنى الذي أشرنا إليه توّاً، تسيطر عليه تماماً فكرة الحرية والمسؤولية، ويعي كلية العلاقة الجوهرية التي تربط هذين العنصرين· هكذا فإن إندو لا يستطيع الاقتصار على العالم الشخصي، الذي يشكل الجنس والحس سداه ولحمته، على نحو ما يفعل معظم الروائيين اليابانيين، غير أنه يتعينّ عليه في أعماله الجادة، شاء أم أبى، أن يعالج الاهتمامات الأوسع نطاقاً، الجديرة بإثارة ردود الأفعال من جانب الرأي العام· هكذا فإن إندو هو الروائي الياباني الكبير الوحيد الذي واجه في الرواية الماثلة بين يدي القارئ مشكلة المسؤولية الفردية في زمن الحرب·
أعتقد أن الروائيين اليابانيين قد صادفهم سوء الحظ، من حيث أن ساحتهم الأدبية ليس فيها إلاّ عدد محدود من النقّاد الذين يتميزّون باتساع البصيرة وتكامل الفكر، بحيث يواكبون مسيرتهم، وإنْ كان سوء الحظ هذا مما يحسدهم عليه الروائيون البريطانيون والأمريكيون دونما شك· ولا يزال إندو في قمة عطائه، وإذا أراد أن يكتب كأفضل ما في مقدوره أن يكتب وأن يحدّ من بعض أوجه نشاطه، فإنني أعتقد أنه قادر على الوصول إلى مكانة في الأدب العالمي تعادل، في سموقها على الأقل، ما وصل إليه بعض الكتّاب اليابانيين الذين يعرفهم الغرب الآن بصورة أفضل من معرفته لإندو·
ولعلّ رواية البحر والسم، على الرغم من كونها عملاً مبكراً من أعمال إندو، تتيح للقارئ أساساً كافياً للخروج بحكم يصدره بنفسه·
مايكل جالاجر