أنت هنا

قراءة كتاب ثالوث وتعويذة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ثالوث وتعويذة

ثالوث وتعويذة

بين اللاشعور وأعماق الوعيّ الوجودي تحاول الكاتبة العمانية زوينة الكلباني من خلال روايتها "ثالوث وتعويذة" رسم لوحة مشبعة بالألم الداخلي الذي يتغلغل في الذات الإنسانية، ومحاولة البحث عن ماهية الوجود من خلال التعمق في إشكالية ظلت مستعصية منذ الحقبة الأولى للوج

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
(1)
 
حاول الجميع إثنائي عن السفر، متعللين بالأجواء السياسية الملغومة التي تشهدها المنطقة هذه الأيام··· أنظمة تتهاوى، مدن تغتال، موت متلفز، وحروب استباحية، برعت في تشكيل الأقدار، لم تعد الأرض ولا السماء تحتملان أسلحة الدمار
 
النووية والكيميائية، والبيولوجية، والذخائر المشعة·· اختلط الحابل بالنابل على خارطة الكون·· قتل وإرهاب وعزف على وتر الديمقراطية ··!
 
.ما عادت الدوامة هاجسي! سئمتُ الشاشة البلهاء وما تبثه في ليالي السجود··· ! كرهت لون الحداد وأهازيج الحماس في أغوار الخوف، ولعنت طوابير الخرس في صباحات التشرذم
 
مصادفة وبطريقة غير محسوبة أو مخطط لها ولدت هذه الرحلة··· طالما ألحَّت عليَّ صديقتي فاطمة لقضاء بعض إجازاتي في لندن محل دراستها، ولكني كنت أختلق الحجج والأعذار الواهية··· شيء ما في مسامي يدفعني هذه المرة.للسفر إليها وولوج عتبات مدينة الضباب، لم ألق بالا لتلك التحذيرات المتناثرة من أفواه المقربين -أهلي وصديقاتي- حول تداعيات الحرب الدائرةوفي نهار غير عادي حزمت توتراتي الثائرة ولملمت حقائبي، فلا شيء يغسل عوادم الروح ويقتل السأم سوى السفر؛ إنه صرخة صمت بل بطاقة احتجاج أشهرها في وجه الأسى على غفلة من الزمن·· عشقت السفر كغجرية فأبي بدوي حط رحاله في سماء الغيم، وأمي ديمة مهاجرة إلى حجب الغيب·· ذرعتُ مطارات
 
··الغربة ومرافئ الاغتراب طفلة تخبئ تحت مفرق شعرها منديل ذكريات يومض في جزر الوحدة المقفرة
 
إنه النداء الأخير للصعود إلى الطائرة·· الساعة تشير إلى الثانية صباحًا من يوم الاثنين التاسع من فبراير عام 2004م في مطار أبوظبي الدولي·· لقد أنفقتُ ساعتي (الترانزيت) وأنا أنقب في السوق الحرة؛ هذا الداء الذي يجلب لي بعض السعادة، مهما حاولت التبكير في الحضور أجد نفسي في ذيل المسافرين··· أدلف إلى الطائرة عجلةً·· ومن بين الأوراق المتناثرة استخرجت بطاقة صعود الطائرة، فاليد الأخرى كانت تنوء بحالة الفوضى التي تعتريها·· ألقت المضيفة نظرة خاطفة على البطاقة وأشارت قائلة
 
-مقعدك رقم(3)·
 
كالصاعقة نزل الرقم على مسامعي، امتقع وجهي واصفرَّ لوني··· إنها المرة الأولى التي يفوتني فيها التأكيد على رقم المقعد، أُحسُّ بدوار·· وشبح هذا الرقم يتضخم أعلى المقعد في تحدٍّ شاحذًا مخالبه الشيطانية··· خوف طفولي يصحو في داخلي·· يتثاءب·· يتمطى·· ينهض وكإعصار يعصف بي·· صور شتّى تمور في ذاكرتي وتثور·· تنخر سموم الوجع والهلع·· في حدقتيَّ جثث ونعوش ورماد···
 
رمقتُ المضيفة متوسلة، وأعلنت رغبتي في تغيير المقعد··
 
ومن باب التواطؤ مع الرقم هزت رأسها رافضة، وربما من قبيل التآمر، قالت:
 
- لا مجال لذلك··
 
يا لهذا الموقف الذي لم أحسب حسابه·· !·
 
تفرّستُ الوجوه المنتظمة في مقاعدها·· فالتقت عيناي بعينيه الناعستين·· متأنق وسيم أبصر توسلاتي البائسة، فلم يكن أمامه من خيار إلا أن يكون شهمًا·· وكأنه بطل أسطوري خرج من مكانه بقامته الفارعة يخمد ألسنة المخاوف المندلعة في ذاكرتي··· يحمل في يده رواية (زوربا) إذن هو كائن زوربي ينذر نفسه لخدمة نساء الأرض، ويُحمِّل نفسَه مسؤوليتهنَّ··

الصفحات