أنت هنا

قراءة كتاب حفيد الـ (بي بي سي)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حفيد الـ (بي بي سي)

حفيد الـ (بي بي سي)

تتحدث رواية "حفيد البي بي سي" للروائية العراقية ميسلون هادي؛ عن صداقة النساء مع الراديو من خلال شهرزاد الجدة التي ولدت في الناصرية وتزوجت ممتاز قارئ المقام من كركوك ثم خلفا ست بنات وثلاثة أولاد توأم وبعد ذلك إثنين وعشرين حفيداً بينهم بطل الرواية عبد الحليم.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
وبشكل أثار دهشته مضت تلك الفتاة الجميلة في إرشاده إلى مكان المحل بشكل طبيعي دونما تحفّظ، بينما راح هو يراقب وجهها مستفيداً من فرصة التفاتها إليه كلّياً للتفرس في ملامحها التي بدت له بلا أخطاء، مع ابتسامة مواربة كأنما تفضحه في نواياه، وأنف جميل كأنه نُحت بمهارة فائقة· قدّر أنها لمّا تبلغ العشرين من العمر بعدُ، وأنها لا تزال طالبة جامعية، وأنها تبدو لطيفة ومؤدبة ورقيقة· وتمنى أن لا تتوقف عن الكلام الذي لم ينتبه إليه على الإطلاق، ثم فز من ذلك الحلم القصير مع مجيء الحافلة، والتفت إلى يمينه ليتأكد من وجود تلك الفتاة التي سألته عن الوقت، فرآها تقترب من الحافلة التي توقفت· قال لنفسه إذن هي حقيقة وليست حلماً؟· هرع خلفها وصعد إلى الحافلة واستقر في المقعد الذي يخالفها وهو يردد مع نفسه (السادسة إلاّ ربعاً)، وعندما تركت الحافلة، هبط خلفها· وبعد قليل رآها تدخل إلى منزل تبدو عليه الفخامة·· اقترب من المنزل، بعد أن توارت هي عن الأنظار، وقرأ الاسم المكتوب على اللوحة المثبّتة قرب الجدار، فحفظه وقرر البحث عنه في دليل الهاتف·
 
ظل رقم هاتفها محفوظاً في جيبه أياماً وشهوراً، وكان يلاحقها من بعيد وينوي مكالمتها أحياناً و لكنه في كل مرة كان يقترب فيها من الهاتف، يحس ضربات قلبه تشتد وأنفاسه تتصاعد وأصابعه ترتجف، فيحجم عن المحاولة، وقد يتجرأ فيكمل ضرب الأرقام، ولكن ما أن ترن نغمة الجرس حتى يضع السماعة في مكانها فوراً· مرة واحدة من المرات انتظر حتى رُفعت السماعة من الطرف الآخر فجاءه صوت رجالي جعله لا يعرف كيف يطبق سماعة الهاتف بسرعة ويعيدها إلى مكانها بأي طريقة·
 
كلما يتذكرها ورقم الهاتف الذي يتمزق في جيبه يحس الألم يعتصر قلبه·· فلا يدري أحبٌّ لها هو أم سخط على نفسه؟· ولكن القدر لعب لعبته من جديد في حكايته مع تلك الفتاة عندما وضعتها الصدفة مرة أخرى في طريقه، ولم يصدق عينيه وهو يراها فجأة أمامه في عيادة طبيب أسنان· كانت جالسة وحدها بوجهها الجميل الخالي من الأخطاء، تقلّب مجلة أزياء نسائية قديمة· هو الذي كان ينتظرها في محطة الباص كل يوم ولا تأتي·· ويتصل بها بالهاتف ولا يتكلم·· يراها هكذا·· وأين؟ في عيادة طبيب الأسنان· وفي الساعة السادسة إلاّ ربعاً·· صحيح أنّ العالم صغير· ومليء بالمصادفات· سحب مجلة وراح يقلّبها وهو ينظر من زاوية عينه اليسرى إلى يديها وصفحة وجهها· كان الخاتم نفسه الذي رآه أول مرة لا يزال في إصبعها·· يعلوه الحجر الشذري الجميل فراح يحدث نفسه قائلا هذه المرة سأسألها عن الخاتم صدقاً وليس في الحلم··لن أدع الفرصة تضيع مني·· لا، لن أدعها تضيع·· هذه المرة سأحدثها فعلاً· يا تُرى لو علمتْ بأن رقم هاتفها موجود الآن في جيب بنطلوني، ماذا ستقول؟·· هل أخرجه لها الآن وأضعه أمام عينيها لأذهلها بالمفاجأة؟ لا·· لا·· لأتروَّ قليلاً·· لأبدأ خطوة فخطوة·· سأسألها عن الوقت·· لا بد أنها تتذكرني·· بالتأكيد هي تتذكرني· لأنتظر، فلربما تبادر هي بالسؤال عن الوقت مرة أخرى·· أنتظر؟·· هل أضيّع الفرصة مرة أخرى؟·· لا·· لا، سأسألها أنا عن الخاتم تنحنح بسعلة خفيفة وتململ في مكانه·· لكنها نهضت فجأة قبل أن يفتح فمه ليبادر بالكلام·· نهضتْ فور انفتاح الباب، ثم توجهت نحو غرفة الطبيب ودخلت ثم خرجتْ، وهو يقول لنفسه: لا بد أنها لم تنتبه لوجودي· لو كانت رأتني لتذكرتني بالتأكيد· سأحاول أن أعرف من السكرتيرة موعدها القادم·· لا بد أن أراها ثانيةً·· ولا بد أن لديها موعداً لمراجعة أخرى
 
خرج من العيادة مرتاحاً سعيداً برغم الألم الذي سببه له الطبيب، فقد رأى اسمها مثبّتاً في جدول المواعيد، وهذه المرة تأكد من أن الاسم الذي بحث عنه في دليل الهاتف هو اسم والدها فعلاً، ولكنه عندما اختلس نظرة إلى الكارت الخاص بمعلوماتها وجد الرقم مختلفاً عن ذلك الذي وجده في دليل الهاتف فتساءل مع نفسه: لماذا الرقم مختلف؟ ثم انزعج وتحمس وقال: هذه المرة يجب أن لا أُضيّع الوقت·· يجب أن أكلّمها بالتلفون على الرقم الجديد· هذا المكان لا يصلح·· سأكلمها على رقم التلفون الجديد ثم عاد إلى البيت، وفي رأسه قرار أكيد اتخذه وقرار آخر بأن لا يرجع عن القرار الأكيد الذي اتخذه·
 
أدار قرص الهاتف، فجاءه بعد قليل صوت رجالي خشن جداً، جعله لا يعرف كيف يعيد سماعة الهاتف إلى مكانها· جلس على القنفة ثم وقف وهو لا يصدق أو لا يريد أن يصدق أن ذلك الصوت الذي سمعه هو نفسه صوت طبيب الأسنان الذي كان في عيادته قبل قليل· معها كل الحق إذن جدته شهرزاد أن تقول إن أطباء الأسنان قليلو الأدب·

الصفحات