أنت هنا

قراءة كتاب منامات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
منامات

منامات

رواية "منامات" للروائية العمانية جوخة الحارثي؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2004؛ نقرأ منها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
يلوح البذل مبتذلا، ويحفر حرفي في جسم هاتف أهدانيه، ثم لم يستجب لهتافي، وترك حرفي حائرا، منقوشا ممحوا، مثبتا غائبا، وجنَّ هتافي بحثا عنه، ولم يقل إنه مع خطيبته، وعلى يدها يمَّحي حرفي الذي نقشته يده، وعلى كتفها حطَّت حمامات لم ير في صفائها عيني، ولم أحطم الهاتف الهدية، لم يكن قابلا للكسر غير هذا القلب·
 
ذلكم كان مبعثر شتاتي، قاذفي الدهر خارج حد النظام، ومنبع وجعي بحثي عن عمق من سطح بلا عمق، ورجائي الذوب في غير الحق، وتفتيشي عن حيز لي في ممتلئ بذاته، واله بأناه·
 
بيني وبينه عوائق العجب، ومحبة الأستار، وولوج الشبهات، وحين رأيته، بعد فواصل من زمن طويل عجيب، أبصرني من عل، وأبصرته من خلف، في قاعة فسيحة يقابلني نصف وجهه، قد كبرت أذنه واستطالت، ولمعت شعرات بيض أعلاها، وأوغلت نبرة صوته في الحياد، وحطت شفقة بريئة بيننا، عبر كراسٍ خالية ممتلئة، وعرفت أن ألما كثيرا كان حقه ألا يكون· رفع يده التي حفظت متكلما، فأنكرت ذاكرتي، وتجعدت صورها، وعرفت تحطم صنمي، غير أن شظاياه توجعني بغير ما داعٍ· انسفح دم التمثال ففيم كان العذاب؟
 
هوى علي عاتيا ثقيلا فناء بحمله هذا الكيان الضعيف، ولم يسعه ما بين بردي، وكما سقط قاطعا حادا كالموت، خرج -بعد لأي- صعبا أليما كالحياة، كشجرة شوك تنتزع من كل عرق إذ تعلقت منه بسبب· ثم حياني، فرددت التحية، وحين تواجهنا رابني امَّحاء ملامحه، انحسار كل ذلك المد من الجاذبية، وعلى الرغم من أن تحايانا هذه توسع الشروخ المتنامية كما في شبكة صيد قديمة فقد دلكت شمسي فلم تعد عين الغزالة ترميني برياش· ثم سار مبتعدا فشممت عطره القديم، فغضبت، كثيرا كثيرا، ولكن غضبي كان متأخرا، كان العطر قد حفر بمسمار من نار فيَّ، ولم يكن غضبي ماء·
 
في الحوش الحجري كانت عمتي منحنية تطعم الحمام، صحت بها من على باب الغرفة : أتعرفين ما ينقص هذا البيت يا عمتي؟ فالتفتت إلي مبتسمة، نزلت سلالم الغرفة إلى الحوش وقلت : نافورة · هنا·· وسط الحوش، فضحكت عمتي لهذه الدعابة، إذ لا يوجد في الحوش ولا في بيتها كله ثلاثة أمتار مسطحة، أنى لبيت منحوت في حضن الجبل أن يفلت من تدرجات ارتفاعاته نحو السماء ؟!
 
ألبستني عقد الياسمين البليل الذي نقعته طوال الليل في الماء ليتفتح محتفظا بأريجه، ورمقت الأوراق والأقلام في يدي بنظرة عابرة، وأنا أهبط الدرجات العشر من الحوش إلى باب البيت في قفزات سريعة، هاتفة لها بأني ذاهبة لزيارة أمي شمسة
 
سرت في السكة الضيقة الملتوية محدقة في ضواحي النخيل أسفلها على اليمين، بلحها الأصفر والأحمر في مستوى قدميّ عابر السكة، متشابكٌ سعفها، كأنما يطاعن سماء كلما اقتربت نأت بعيدا وراء الجبال الجرداء، ورغم أنها تبدو كهاوية إلا أن عمتي تقسم أن إنسانا أو حيوانا ما لم يقع من السكة في الضواحي قط·
 
تعلقت عيناي بالأخضر ( لبست أمي في عرسها ثوبا أخضر يشبه خيمة حمقاء )، ثم صرفت بصري إلى أبواب البيوت على الجانب الأيسر، خشبية وحديدية، بنية وخضراء وزرقاء، وقفت أمام أحدها وقرعت الحلقة الحديدية، فتحت أمي شمسة الباب فعانقتها ممتلئة الحواس برائحة الورس، وصعدت درجات بيتها الفسيحة إلى الحوش الترابي، ثم بضع درجات أخرى إلى المجلس، حيث تغطي الوسائد والمساند المطرزة أرضه في حين تكتسي جميع الجدران برفوف مغطاة بالزجاج ومليئة بالكتب·
 
قالت مبتسمة : قهوتك بالهيل أم بالزعفران ؟ ، فجذبتها من يدها : لا وقت للقهوة، لدينا عمل كثير··
 
وهكذا بدأنا الدرس الأول لتعليمها الكتابة·

الصفحات