أنت هنا

قراءة كتاب منامات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
منامات

منامات

رواية "منامات" للروائية العمانية جوخة الحارثي؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2004؛ نقرأ منها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
خيول الروم تقصدني، تتريض قليلا علي، ثم تنهضني لنغني قليلا لسيف الدولة، لا يقول لساني إن الحوافر قد شلته، لأنها شلته·
 
خيول الروم تعرفني، تركض بي، تزعم أن تلك مدن سحرية، جدرانها لؤلؤ مجوف، في التماعة عين فرس عربية رأيت الجدران، وكانت من الزجاج·
 
قالت: العطاء أو العطاء· ولم أتكلم، فالحوافر قد شلت لساني، وخيول الروم تعرفني، وأنا أعرف ملمس قمم الذات، وذرات الخوف الشامخة، التي تصبح فيما بعد العاصفة التي تهلك الراعي والراعي عرف الخيول ولم تعرفه· وهلك، لأن الميدان لا يعنيه·· · تعاقبني الساحرة كما عاقبت ضرتها : ربطي إلى حصانين متعاكسين، ولم أقل : كيف تمزقون جسدا يمتلئ بالحب؟، لأن روحي كانت قد اسَّاقطت، ذرات في التراب، وذرات في السحاب، وذرات هائمة في الما بين، تسيل شيئا يشبه الدم، شيئا تسفه الريح:
 
خيول الروم تنكرني ولا يتبدل الميدان·
 
غارق طير قلبي في ماء، بلل ريشه يحطه عن التحليق، وغرقه يغلق عينه المحدقة في الفضاء، ومربعات نافذتي الملونة بالأزرق والأحمر والأخضر لا تفتح غيبها له، ولا تقول كن فيكون·
 
الشمس دائرة صفراء بلا شعاع تتأهب للسقوط خلف الجبل، ويد عمتي ممسكة بيدي تلح : اخلعي بدنك وامشي
 
يتلجلج في صدري الطير الغريق : أنى أخلع بدني ؟ وقفت، أصاخت السمع، عيني على وجهها، صفحة خدها المجدورة، وأنفها المفلطح، عينيها الغريبتين، لطالما نفرني هذا القبح، فما به الآن يشف، ويرتفع عن ذاته، ليستحيل جمالا خارقا لا يقاوم ؟
 
ركبتاي تخوران، لا أستطيع الصعود لأعلى الجبل حيث النباتات التي تتأملها عمتي بافتتان لا يفنى كل يوم، أردت مشاغلتها : وإن خلعت بدني ؟··
 
أسكتتني بإشارة، وبعد أن انزلقت الشمس، تنهدت : التسبيح·· ياللجلالة·!
 
قدماها لا تكاد تمس الحصى، ترفق به لكأنما التسبيح صوت قرقعته، تربت على النبات الذي لم أستطع حفظ أسمائه وكأن نسغه هو التسبيح، نزلنا بصمت، وأويت إلى الغرفة، أصغي وأصغي، أهش الطير المبلل في صدري ليطير، ويذيقني الخفة، غير أنه يقعي ثقلا لا يرام فكاكه، ولا أسمع التسبيح·
 
الجبل قطعة ظلام سوداء، ومصباحي ظلال موحشة، عبثا أستنقذ هذا الطير من غرق محتم، أنزل للحوش، عمتي تجلس على حصير الخوص وفي حجرها رأس حمد، تمسده، لا أقوى على كل هذا الصمت، إنهم يصغون، ولا أسمع ما يسمعون، جلست بجانبها صامتة، أسندت رأسي إلى كتفها، ونظرت إلى تدرج ألوان الليل·
 
يتجسد لي في كل درجة، أود أن أعاتبه بملاغاة طويلة طويلة تحرر ذاكرتي من نهشة الجرح الحي، ولا أتمكن من النطق، عتبي لا يتزيا بزي الحروف وألمي لا يطيق تجسد الكلمات، أغمض عيني عن طيفه، فتغوص عيني المغلقة بداخلي لتراه أكثر وضوحا، ترى شعاع عينه البني، وحنية إصبعه، ولا ترى الكلمات التي غرست شجرة العذاب وأروتها·
 
سمعت صوت عمتي مع توقيع أصابعها على شعر حمد : و إن خلعت بدنك ؟·· إن خلعت بدنك مجردة، تكوني حينئذ داخلة في ذاتك، خارجة عن جميع الأشياء مجموعة عليك، مصروفة البال إليك، فترين في ذاتك من النور والبهاء والرفعة والسناء ما تبقين له متعجبة متحيرة، فتعلمين أنك جزء من أجزاء الجبروت
 
سالت دموع حمد على حجرها، توسد يده على ركبتها، فمررت أصابعها على زغب شاربه، وبعد صمت طويل قالت : فمن هاهنا تشعر بالإحاطة، فترى في ذاتك من النور والبهاء مالا تطيق على شهوده ولا تستطيع التجوهر لوجوده، فترجع عاجزا والذهن كليلا··
 
هل تكلمني أم تكلم حمد ؟ أم تقرأ سطورا لا نقرؤها من كتاب لا نراه؟ لا أحسبها إلا مكلمة لذاتها، لم أرفع رأسي عن كتفها، أردت أن تسري معانيها إليّ بلصقي بجسدها، لعل المعنى يعبر بلا واسطة الكلمة··
 
لا أرى غير طيري، قلت : وختام العجز والكلل ؟··
 
فابتسمت، وعاد جمالها الخارق الذي يستمد من جمال كل ذرة في الكون : حتى تألفي المقام، ولا يقع بحمد الله تعالى الانفصام، وترتفع المنازعة عند معقول المراجعة
 
فعادت عينا حمد تسيل، وغاض الطيف الماثل أمامي في طين وماء·

الصفحات