أنت هنا

قراءة كتاب منامات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
منامات

منامات

رواية "منامات" للروائية العمانية جوخة الحارثي؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2004؛ نقرأ منها:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
أسكنتها عمتها الحجرة الوحيدة على سطح المجلس، التي تعرف باسم الغرفة، فإذا ما قيل الغرفة لم يعن القائل غير المعلقة على سطح المجلس المطلة نافذتها الوحيدة على الجبل، تلك النافذة المقسم زجاجها إلى مربعات لكل مربع لون، فإذا ما ألصقت وجهها على الأول تلون الجبل بالأحمر، وسقطت منه الحمم وثارت تنانينه وحيواته الباطنة، وإذا ما ألصقته بالمربع الثاني رأت الجبل الأزرق، وقد اتحد فيه السماء والبحر، وسالت مياهه ألقا صافيا، وشهقت الأمواج على حواف الحصا، وإذا ما ألصقت وجهها على المربع الأخير نظرت الجبل وقد انشق عن الجنان، وسقط فردوسه على الأرض الجرداء، ومارت بواطنه بسر الشجر وحياة الأغصان· وحين تهز رأسها ذات اليمين وذات الشمال تتداخل الألوان وتمتزج السماء بالجنة والنار·
 
في كل فجر تأخذها عمتها إلى بيت الشيخ حمد حيث تستقبلهم زوجه البشوش بتمر الخلاص(1) وقهوة الهيل، وتحضر معهم مجلسا هو للذكر أقرب منه لإخراج جان متوهمين، يقرأ الشيخ وتغيب البنت، آيات وسور وحروف، تأخذها إلى سماوات تجل عن الوصف وتغيبها عن عالم الحس المرة تلو المرة، يصدعها تكرار بعض الآيات، بعض الكلمات، فتظل تتجلجل بداخلها، الأخلاء يومئذ··، تسكن جارحة جارحة وتخفت سخريتها، تلقط العمة دموعها في إناء من فضة :
 
دموع الخشية تطفئ غضب الرب، وتغيب طويلا وحين تصحو لا تتذكر من مجالس الفجر غير يد الشيخ مبسوطة على حجره، أصابعها ممتدة للسماء، واثقة، شافية، كأنما الآيات تفيض منها لا من فمه·
 
في العصر تأخذها عمتها خلف البيت إلى ممر صغير يشق الجبل على جانبيه مخاضات مشتركة، أقيمت بعد المنبع الرئيسي وشريعته مباشرة، تفتح العمة الباب الخشبي لإحداها وتنزل درجاتها الخشبية الثلاث، ثم تأمر البنت بخلع ملابسها ولف لحاف حول جسدها، تغمسها في ماء الفلج الدافئ، وتفركها، وتفرق شعرها تحت أسطل الماء التي تصبها عليه حتى تصيح البنت : حتى لو لم أستحم منذ سنة، قد نظفت·· فتبتسم عمتها : هذا يا ابنتي يسكن الهموم وينفي الحزن، ويبرد القلب، وكان لدى العمة لتحقيق ذاك النفي والتسكين وسائل شتى منها جولات طويلة في الجبل وغيرانه تقتلع أثنائها بعض الأعشاب لتغليها وتسقيها البنت، وجولات في الضواحي والمزارع لأن الخضرة تريح العين وتشرح القلب، وقد لبثت أمدا يبرد قلبها بالقرآن فجرا وبالاستحمام في الفلج والتنزه عصرا، ولم تعد عمتها لتذكر الجان وسكناهم، حتى فهمت البنت أنها حيلة تفتقها فهوم العمة لتغسل هموما عرفتها حق المعرفة، وما كانت لتخفى على عينها الكشافة·
 
وحين عدت بعد أمد، كانت غمة التشنج والصد قد انجلت، وثقوب حاجز العلاقات مع البشر قد رتقت، ولكن الجني المارد لم يخرج من قمقم روحي، وما سكنها حتى ماجت بالسر وخفق جناح اليأس بلا سكون·
 
أغنية صغيرة في مديح اليأس:

الصفحات