منذ أن اطلعت للمرة الأولى على هذا الكلام في أوائل السبعينيات من القرن العشرين وهو يؤثر بي تأثيراً عميقاً· وإذ أنظر مجدداً إلى حياتي فإني أرى دائماً أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من كارثة شخصية· إني أفكر كيف أن عالمي الخاص قد اهتز بسبب الانقلاب العراقي الوحشي ف
أنت هنا
قراءة كتاب نحو تحقيق الأماني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
جدي الأكبر مصطفى:
إن الأجيال الأولى من آل قيردار في كركوك كانت تزاول الزراعة والتجارة وملكية الأراضي، وقد بدأ بروز الأسرة السياسي من قبل جدي الأعلى الحاج مصطفى قيردار في القرن التاسع عشر· وقد عمل مصطفى رئيساً لبلدية كركوك -وكانت أعلى الوظائف في المدينة- وذلك لدورتين متعاقبتين· كان ذلك في الثمانينيات من القرن التاسع عشر حين كانت كركوك لم تزل جزءاً من الإمبراطورية العثمانية· لقد كانت إدارياً جزءاً من ولاية الموصل، وهي إحدى الولايات العثمانية الثلاث التي غدت في ما بعد العراق، والولايتان الأخريان هما ولاية بغداد وولاية البصرة· كانت هذه الولايات الثلاث كلها تحكم من اسطنبول، العاصمة العثمانية·
ويعود الفضل إلى مصطفى بتأسيس أول مدرسة رسمية للبنين في كركوك، كما أنه أشاد من ماله الخاص جامعاً على أن يتلقى عدد من الشباب الموهوبين في كل عام دورساً في مدرسة الجامع الفقهية· كان هؤلاء يدربون على كسب الرزق من قراءة القرآن في حفلات الزواج وفي المآتم· كانت هذه هي طريقة مصطفى في تزويدهم بمهنة منتجة· إني شخصياً فخور بأن تلك المدرسة لم تزل قائمة بعد مائة وثلاثون عاماً من تأسيسها·
إن مصطفى قد أسس كذلك وقفاً لملكية عقار، على أن يستخدم ريعها لإدامة الجامع والمدرسة الفقهية· وقد قال إن أي فائض متبقٍ يمكن تقسيمه بين أبنائه بعد اقتطاع جزء كاف للاحتياطي·
لقد ظل مصطفى قيِّماً على الجامع طوال حياته وكان مهتماً على الخصوص بالذي يجدر أن يخلفه في ذلك· والإجراء الطبيعي المتبع كان يقضي بأن يخلفه أكبر أبنائه، ولكن مصطفى ارتأى أن من يخلفه لا يكون بالضرورة أكبر أبنائه بل أرشد أولاده· لذا فمنذ ذلك الحين فإن القيم أو المتولي على جامع قيردار في كركوك يجري انتخابه من قبل أفراد الأسرة· وكان المنتظر أن يظل المتولي مدى الحياة وإن كانت الأسرة تحتفظ بحق عزله إذا فشل في أداء واجباته· إن المسؤولية قد انتقلت بعد مصطفى إلى أبنائه أولاً محمد علي، ثم محمد جميل· ثم انتقلت بعد ذلك إلى والدي ومنه انتقلت مؤخراً إلى شقيقي الأكبر نذير·
إن جامع قيردارلر هومدفن ثلاثة أجيال من آل قيردار مصطفى، وجدّاي، وأبي· والظاهر أن الجامع الآن هو في حالة متدهورة، وإني أطمح شخصياً أن أعود إلى كركوك وتكليف أحد المعماريين لإعادة بنائه وتجديده·
وعليّ أن أذكر عرضاً الآن أن ابن عم مصطفى، وهو محمد سعيد قيردار، وكان هذا تاجراً يعمل بتصدير الصوف إلى مانشستر في المملكة المتحدة· وحين توسعت تجارته هذه بحيث لا يمكن إدارتها من كركوك انتقل إلى بغداد فحظي فيها بلقب جلبي اعترافاً بدوره البارز في أوساط الأعمال في المدينة· كان يسافر كثيراً إلى اسطنبول وبيروت وحيفا، وكان أول تاجر عراقي يزور لندن· ولدينا صورة له التقطت في عام 1910 وهي لم تزل بحوزة الأسرة· ومن المحزن أن أعماله قد أصيبت بصدمة ماحقة حين غرقت باخرة الشحن التي تحمل بضاعته في البحر الأبيض المتوسط·