منذ أن اطلعت للمرة الأولى على هذا الكلام في أوائل السبعينيات من القرن العشرين وهو يؤثر بي تأثيراً عميقاً· وإذ أنظر مجدداً إلى حياتي فإني أرى دائماً أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من كارثة شخصية· إني أفكر كيف أن عالمي الخاص قد اهتز بسبب الانقلاب العراقي الوحشي ف
أنت هنا
قراءة كتاب نحو تحقيق الأماني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
الفرع التركي للأسرة:
حين سقطت الإمبراطورية العثمانية غدت تركيا دولة مستقلة يحكمها زعيم جديد هو مصطفى كمال أتاتورك· وعندها طلب الملك فيصل الأول من محمد علي قيردار بالانتقال والعودة إلى العراق المستقل حديثاً وذلك للاستمرار في تمثيل كركوك في المجلس النيابي ببغداد·
لذا جرى بحث مستفيض بين أفراد الأسرة في اسطنبول بشأن من يريد العودة مع محمد علي ومن يريد البقاء في تركيا· وقد اختار بعضهم البقاء· فالجيل الثاني، ولا سيما الذي تعلم في تركيا وأصبح أفراده مواطنين أتراك، وكان أكثرهم يمارسون مهناً فلم يكن لديهم دافع للعودة إلى العراق·
لذلك فحتى هذا اليوم هناك فرع للعائلة في تركيا وآخر في العراق· إنك إذا ذهبت إلى اسطنبول وتناولت دليلاً للهاتف فسترى قائمة طويلة فيه تحت اسم قيردار· ومع أن معظم أفراد العائلة اليوم قد ولدوا في اسطنبول فإن بوسعهم مع ذلك بأن يعودوا بأصولهم إلى كركوك قبل جيلين أو ثلاثة أجيال·
إن أحد الأعضاء البارزين في الفرع التركي هو الدكتور لطفي قيردار، وهو ابن عم جدي لأبي مصطفى· كان هذا الذي كنا نسميه عمو لطفي طبيباً درس في فيينا وتخصص بطب العيون· إنه، وبتشجيع من مصطفى كمال، قد انتقل في ما بعد إلى الخدمة العامة، فعمل محافظاً لأزمير وغيرها، ثم رقيّ إلى المركز الأعلى صيتاً حاكماً لاسطنبول· إن هذه المدينة كانت قبل تأسيس جمهورية تركيا الحديثة هي عاصمة الإمبراطورية العثمانية لمدة نحو خمسمائة عام، وقد ظلت واحدة من أهم المدن في الشرق الأوسط· إن لطفي قيردار في وظيفته كحاكم لاسطنبول من عام 1939 حتى أوائل الخمسينيات قد بنى فيها طرقاً ومتنزهات وميادين ومراكز ثقافية ورياضية فنقل اسطنبول إلى مدينة حديثة أوروبية الطراز· فحتى خلال الحرب العالمية الثانية حين كانت أموال الحكومة عزيزة المنال فإنه تمكن من جمع الأموال بطرق أخرى فطوّر المدينة كثيراً· وبعد أن قام بكل هذه الإنجازات جرى تعيينه وزيراً للصحة في تركيا فانتقل إلى الإقامة في العاصمة أنقرة·
إن لطفي قيردار قد خدم بلاده بامتياز وأشيد بذكره في اسطنبول وذلك بإقامة تمثال له فيها وسميّ مركز المؤتمرات فيها باسمه· كان له ابنان أولهما اسمه إردم وقد صار معمارياً، والآخر أونر الذي درس القانون في تركيا وحاز على شهادة الدكتوراه من جامعة كيمبردج وخدم في السلك الخارجي التركي وارتقى إلى أعلى المناصب في برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة· إنه أكبر سناً قليلاً مني وكان قدوة لي في المعرفة والذهن اللامـع والنكتـة اللطيفـة· كنـا سويـاً على صلة وثيقة، وقد اعتبرته نموذجاً لي يحتذى وأحب كثيراً قضاء الوقت معه·
وبعد عودة محمد علي إلى العراق استمرت الصلات بين الفرعين التركي والعراقي في أسرة قيردار· وفي عام 1942، وقبل دخولي إلى المدرسة الثانوية، أخذتني والدتي مع أخي الأصغر فاخر إلى اسطنبول وذلك لحضور حفل زفاف شقيقها الدكتور أوميد قيردار· كان ذلك الحدث الباهر حديث المجتمع في اسطنبول، وقد دامت الاحتفالات ستة أشهر تخللتها الحفلات والسفرات· لقد أقمنا في قصر العم لطفي الرسمي في قلب المدينة، كما قمنا بزيارات متعددة لمحلات إقامته الأخرى· وأتذكر أننا كنا ننقل من قصر إلى آخر في موكب من السيارات الفخمة فكنا نجد كل مناسبة منها أروع من الأخرى· كانت تجربة ساحرة لولد يبلغ السادسة من العمر وقد ظلت ذكراها تراودني منذ ذلك الحين حتى الآن·
وقد حدث لقاء آخر بين الأسرتين التركية والعراقية في عام 1955 حين انضم كل من العراق وتركيا وإيران وباكستان إلى حلف سياسي يعرف باسم حلف بغداد· وقد حضر أثناء ذلك وفد برلماني تركي من أنقرة للتفاوض مع العراقيين بشأن الأمر· وقد ضم ذلك الوفد العم لطفي وكان آنئذٍ عضواً في البرلمان التركي· في الوقت عينه كان والدي في المجموعة البرلمانية التي تمثل العراق، وهكذا فإن أولاد العم هذين قد وجدا نفسيهما كل يجلس في الطرف المقابل من المائدة· وقد التقيا مرة أخرى بصفتهما الرسمية حين ذهبت مجموعة برلمانية من العراق إلى تركيا·


