أنت هنا

قراءة كتاب نحو تحقيق الأماني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نحو تحقيق الأماني

نحو تحقيق الأماني

منذ أن اطلعت للمرة الأولى على هذا الكلام في أوائل السبعينيات من القرن العشرين وهو يؤثر بي تأثيراً عميقاً· وإذ أنظر مجدداً إلى حياتي فإني أرى دائماً أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من كارثة شخصية· إني أفكر كيف أن عالمي الخاص قد اهتز بسبب الانقلاب العراقي الوحشي ف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
أبي وأمي - أمين ونزهت:
 
بالنظر إلى العلاقة الوثيقة بين محمد علي وشقيقه جميل لم يكن من المستغرب أن تتزوج نزهت من ابن عمها أمين، ابن جميل الأوحد الذي ولد في عام 1901· إن الزواج المرتب بين الأقرباء كان أمراً مألوفاً في الشرق الأوسط آنئذٍ· إن هذا هو أقل انتشاراً الآن ولكنه في تلك الأيام كان أمراً اعتيادياً تماماً ولا سيما بين الأسر المعروفة· إن والديّ، رغم أنهما أبناء عم، إلا أنهما قد نشآ في قطرين مختلفين، أمي في تركيا، وأبي في العراق، ولم يكن أحدهما يعرف الآخر قبل الزواج·
 
كان والدي أمين من الجيل الأول في العراق الذي درس بعد الثانوية في كلية من الكليات· إن هذا يعني أنه كان أكثر تعليماً من جدي الذي لم يدخل قط جامعة من الجامعات· إن مدرسة الحقوق في بغداد والتي تخرج منها كانت واحدة من الكليات الأولى التي أسست في العراق، وكان والدي أحد تلامذتها آنئذٍ· ومدرسة الحقوق هذه التي افتتحت أبوابها في العراق في أوائل القرن العشرين كانت واحدة من الكليات الرفيعة الشأن وذات مستوى عالمي ومتأثرة كثيراً بنظام التعليم الانكليزي·
 
إن أمين، على خلاف محمد جميل، لم يكن من رجال الأعمال ولم يكن طموحاً مادياً، مع أنه كان قد اقتنى سيارة فورد في عام 1947 ثم اقتنى سيارة بيويك في عام 1955· وبعد تخرجه من كلية الحقوق تعين أمين قيردار مديراً للناحية ثم قائمقاماً ثم رئيس التسويه ونائباً لمحافظ الموصل، بعدها ترك الوظائف الحكومية ورشح نفسه للنيابة بدلاً من والده محمد جميل قيردار وفاز عام 1947· كان معروفاً بمبادئه التي تتمسك بالعدالة والنزاهة، لذا حظي بالثقة والاحترام على نطاق واسع· كان من الذين يحكم ضدهم يشهدون بإنصافه·
 
وكان كذلك رجلاً كريماً جداً فطالما قدّم أموالاً للأعمال الخيرية وما شابهها· لم نكن نعرف كثيراً من هذا إلا بعد وفاته إذ جاء البعض ليخبروننا بما كان قد قام به· كان أحياناً يدسُّ أوراقاً مالية في يد أحد الطلاب المحتاجين لإسعافه في دراسته· كان رجلاً متواضعاً وليس إدعائياً، ويعامل الآخرين باحترام ولطف من دون تبجح· إننا كأطفال كنا نجلّه كثيراً·
 
كانت لدى أمين وجهة نظر فلسفية، كما كان يؤكد على التعليم، شأنه في ذلك شأن والدتي· كان كلاهما مؤمناً بأن التعليم الجيد يأتي بالمقدمة· كان جدي لأبي جميل يحدثنا كيف أنه قد اشترى كل هذه الأراضي وذلك لضمان مستقبلنا، ولم يكن والدي يخالفه في ذلك· أما حين يكون والدي معنا لوحده فإنه كان يقدم لنا تعريفاً مختلفاً للثروة، فيقول: الشيء المهم هو ليس الأراضي، فالثروة العظمى هي في التعليم - فإذا حصلت على التعليم الصحيح وعلى المهارات اللازمة··· إذا كنت محترماً وموثوقاً به ومرغوباً به من الغير··· فإنك ستحقق الكثير أينما تكون في العالم···
 
ثم يضيف قائلاً: إنك لكي تكون مرغوباً به فيجب أن تكون لديك مهنة· ولكي تكون محترماً يجب أن تبدع في تلك المهنة· ولكي يوثق بك يجب أن تحافظ دائماً على مبادئك وعلى مستوياتك
 
كان أسلوب والدي يقضي بأن يكون لكل فرد في العائلة رأيه، بضمن ذلك الأفراد الصغار سناً، وذلك قبل اتخاذ القرارات النهائية بشأن الأمور المنزلية· مع هذا لم يكن هناك شك مطلقاً أنه هو الرئيس وأن الرأي النهائي هو رأيه بالذات· لقد كان حريصاً على أن يبث إحساساً قوياً بالقومية العراقية وبالولاء الشديد للبلاد وللعائلة الملكية· ويعود الفضل له أنني في ما بعد طورت لنفسي اهتماماً شديداً بالسياسة· إنه، حتى حينما كنت صغيراً في السن، كان يطرح عليّ آراءه بشأن قضايا سياسية ويبحثها معي بصورة مدهشة·

الصفحات