أنت هنا

قراءة كتاب نحو تحقيق الأماني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نحو تحقيق الأماني

نحو تحقيق الأماني

منذ أن اطلعت للمرة الأولى على هذا الكلام في أوائل السبعينيات من القرن العشرين وهو يؤثر بي تأثيراً عميقاً· وإذ أنظر مجدداً إلى حياتي فإني أرى دائماً أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من كارثة شخصية· إني أفكر كيف أن عالمي الخاص قد اهتز بسبب الانقلاب العراقي الوحشي ف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10
بيوت الأسرة في كركوك:
 
إن كركوك، كما أشرت سابقاً، كانت تضم سكاناً متنوعين منهم العرب والأكراد والتركمان وغيرهم· لذا فإن كل أسرة في كركوك تتكلم التركية والعربية، كما يتكلم البعض الكردية والسريانية· أما التدريس في المدارس فهو باللغة العربية ولكن اللغة في البيت هي التركية، لذا فإنني وأشقائي قد نشأنا متعددي اللغات·
 
إن بيت الأسرة كان قد شيّده جدي الأعلى مصطفى في عام 1835، وهو البيت الذي ولدت فيه شخصياً، وكان مثالاً رائعاً للسكن التقليدي آنئذٍ إذ أن مدخله هو على شكل قوس مبني بصورة جميلة وفيه بوابة كبيرة خشبية ذات زينات حديدية وهي المدخل من طرف الشارع· كانت في ذلك الحين إحدى أكبر محلات الإقامة في المدينة وتعرف محلياً بالبيت الكبير للحاج مصطفى قيردار، وسمي بالتركية قيردالر· والظاهر أن ذلك البيت القديم الفخم كان بمثابة مؤسسة أكثر مما هو منفرد يتألف من أربع أجنحة منفصلة، ولكل جناح ساحة وبئر·
 
كان الجناح الرئيسي الذي يدعى بالحرم هو مقر إقامة الأسرة ويتألف من سبع شقق تحيط بالساحة الوسطية، ولكل منها ما تحتاجه من وسائل المعيشة· وكان التقليد السائد يقضي بأنه عند زواج أفراد الأسرة فإنه يقيم عندئذٍ في إحدى هذه الشقق· أما القسم الآخر فيتألف من صالة الاستقبال وشقق الضيوف ومحلات الخدم والاسطبل· ثمة قسم آخر هو ساحة المطبخ وتحتوي مساكن خاصة للخادمات، والقسم الرابع يخص جدي مصطفى قيردار· وبعد وفاته أشغله ولده الأكبر الملا توفيق·
 
إن هذه الدار قد غدت في النهاية قديمة جداً ولا تصلح للاستخدام بتلك الطريقة· فأبناء الأسرة أخذوا يغادرون لكي يؤسسوا بيوتهم الحديثة الخاصة بهم، وبحلول عام 1949 لم تعد تشغل من أحد· إنها وما يحيط بها من أبنية قد صودرت في ما بعد من قبل الحكومة وهدمت وذلك بهدف إزالة الإرث التركماني في كركوك·
 
إن أحد الذين غادروا كان هو جدي جميل إذ لم يعد يسكن في بيت الأسرة وبنى بيتاً جديداً في الطرف الآخر من المدينة في عام 1940· كان ذلك البيت حديث الطراز، فبدلاً من الساحة الوسطية هناك حديقة في الواجهة مزروعة بأشجار الزيتون، وفي القسم الآخر منها أشجار البرتقال والليمون· وفي هذا البيت كان كل من أبي وأمي يقيم فيه حين وجودهما في كركوك· وكان علينا أن نترك ذلك البيت كلما تغير مقر عمل والدي وكنا نعود إلى كركوك إلى البيت المحاط بأشجار الزيتون· كان ذلك هو المكان الذي نعتبره موطناً حيث قضيت أنا وإخوتي معظم أيام طفولتنا·
 
لدي ذكريات سعيدة هناك حيث كنا أنا وأخوتي وغيرهم نتسلق تلك الأشجار، وكان معنا كذلك ابن خالي الذي اسمه فكرت، فكنا نتخيل ونحن في أعالي الأشجار أننا نقود طائرات· كان فكرت الذي هو ابن خالي نجيب بنفس عمري وكان من أصدقائي المقربين· وكلما كانت أسرتنا في كركوك كنا نرى بعضنا بعضاً يومياً وكانت تنضم إلينا كذلك نرمين التي هي أخت فكرت· لقد نشأنا ثلاثتنا معاً وقد استمرت روابطنا حين انتقلنا كلنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة·
 
أما الشخص الآخر الذي اشترك معنا في السكن في بيت جدنا في كركوك فهي كوزين نفطجي، وهي بنت أخ زوجة جدي محمد جميل قيردار· كانت شابة ذكية جداً وموهوبة وتتكلم العربية بطلاقة فضلاً عن لغة العائلة التي هي التركية، وكانت كذلك مدمنة على قراءة الروايات العربية·
 
كنا في كل سنة، وفي اليوم الخامس من شهر رمضان، وهو اليوم الذي يحتفل به جميل قيردار بعيد ميلاده، نجتمع فتكتب كوزين خطاباً قصيراً لي لكي ألقيه إحياءً لذكراه· إن ذلك قد رفع من شأني كثيراً لدى عميد الأسرة· كنا جميعاً معجبين جداً بما تتمتع به كوزين من فطنة· كانت بالنسبة لنا بمثابة الأخت، وهي تمثل الحداثة والفكاهة والإثارة· إنها وإن لم تكن تحمل اسم قيردار إلا أنها كانت تجسد روحية الأسرة أكثر من أي أحد آخر·
 
ومن أصدقاء الطفولة في بغداد نجيد قيردار وكان موهوباً وحافلاً بالحياة ويستمتع كثيراً بالأوقات اللطيفة· والظاهر أنه ورث هذه الصفات عن والده فتحي صفوت قيردار الذي كان خالاً لوالديّ· إن فتحي صفوت قيردار كان شخصاً استثنائياً وفناناً شهيراً ونحاتاً معروفاً· كان يستمتع بالصحبة وهو يمتعنا على الدوام بحكاياته، وكان يجذب إليه الناس كالمغناطيس ولا شك أنه الأكثر شعبية في الأسرة·

الصفحات