أنت هنا

قراءة كتاب نحو تحقيق الأماني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نحو تحقيق الأماني

نحو تحقيق الأماني

منذ أن اطلعت للمرة الأولى على هذا الكلام في أوائل السبعينيات من القرن العشرين وهو يؤثر بي تأثيراً عميقاً· وإذ أنظر مجدداً إلى حياتي فإني أرى دائماً أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من كارثة شخصية· إني أفكر كيف أن عالمي الخاص قد اهتز بسبب الانقلاب العراقي الوحشي ف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9
وحين كنت في العاشرة من عمري قرر جدّي جميل ألا يرشح نفسه لمجلس النواب، فقام والدي بالاستقالة كنائب المحافظ للموصل لكي يحل محله نائباً عن كركوك· وقد ظل في هذا الموقع حتى الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل انقلاب 1958 إذ كان شقيقي قد أقنعه للتخلي عن الترشيح للنيابة·
 
أما والدتي، وكانت ذكية وسريعة البديهة ومنفتحة على الناس، فكانت أكثر طموحاً من والدي· فعلى نقيض بلدة كركوك الصغيرة حيث ترعرع أمين فإنها كانت قد نشأت في اسطنبول، المدينة العصرية· إن لديّ صورة فوتوغرافية لأمي كشابة وهي تعزف على آلة الكمان، الأمر الذي يدل على التربية الراقية التي حظيت بها· ومع أنها كانت قد ولدت في كركوك إلا أن عمل والدها في مجلس المبعوثان العثماني كان يعني أن دراستها المدرسية حصلت في تركيا· لم يكن لدى الكثير من أبناء كركوك هذا النوع من الانفتاح على العالم الواسع· إن مساهمتها في الحياة العامة في ما بعد قد تضمنت العمل سنوات عديدة في اللجنة التنفيذية للاتحاد النسائي العراقي في بغداد·
 
إن عودة والدتي نزهت إلى العراق للزواج من والدي كان خطوة إلى الوراء من حيث أسلوب الحياة· كان العراق مكاناً بدائياً بالقياس إلى اسطنبول، فكانت الحياة شاقة على والدتي في البداية· فمثلاً، إن عدداً من الأماكن التي عاشوا فيها لم يكن فيها كهرباء· ولكنهما، والدتي ووالدي، قد خلقا لهما حياة عائلية سعيدة ومتعاضدة· كانت تربيتنا تركية من حيث أصول التعامل والتصرف والسلوك· وقد كانت دارنا نظيفة جداً على الدوام، كما كنا كأسرة حسنة الملبس والتنشئة· كان كل من والدي ووالدتي حريصين كل الحرص على المظهر، مع تأكيدهما الشديد على المبادئ والأخلاق· إن والدتي خاصة، كانت تنادي بقيمة العمل المتواصل، كما كانت تتطلب مستويات عليا في الإنجاز·
 
إن والديّ قد عاشا زيجة سعيدة مع كثير من الاحترام المتبادل، فوالدي كان معجباً بطموحها وتطلعاتها واستقامتها، وهي كانت تكن له الاحترام لما يتمتع به من حكمة وإنصاف ونزاهة· وكان كلاهما يهتم بما يجري في العالم بعقل مفتوح، كما كانا يحبان القراءة· أما حلقة أصدقائهما فتضم مثلاً عدداً من المسيحيين واليهود، وكان ذلك هو الوسط الذي نشأنا فيه· إن الحقيقة التي مفادها أن مؤسسة إنفسكتورب تضم اليوم أفراداً من ثمانية وثلاثين جنسية هي حقيقة تعكس نشأتي وتشير إلى رفض والديّ الحكم على الناس على أساس لونهم أو مذهبهم أو جنسيتهم أو ديانتهم·
 
إنني مدين للوالدين بكثير من الامتنان· إنني معجب بوالدي بسبب قوة شخصيته وما يتمتع به من إنصاف ومن مبادئ راسخة، يضاف إليها النشاط والطموح والعمل المتواصل· إنني أعتقد أنني وأشقائي قد ورثنا أحسن الصفات من الوالدين·

الصفحات