رواية "زينب وماري وياسمين" الصادرة عام 2012 للروائية العراقية ميسلون هادي، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجواء الرواية:
أنت هنا
قراءة كتاب زينب وماري وياسمين
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
زينب وماري وياسمين
الصفحة رقم: 1
مرآة الجن
توقف المطر فجأة كما بدأ فجأة، فتغير المكان من ربعة الحوش في منزل زينب إلى صالون كبير وأنيق يغني فيه هيثم يوسف أغنية حزينة··· الجدران تغطيها لوحات وتحفيات··· والسقفُ تتدلى منه ثريا كبيرة جعلتني أشعر بالحرارة من شدة الوهج الذي تبعثه مصابيحها الصفراء·· أحسست أن الدفء قد قهر وجهي وجعله ذهبياً وربما أحمر اللون·· وأن الساعة التي تتكتك بانتظام تراقبني من مكانها على الجدار، وشجرة الصبار كذلك تراقبني·· لكن المرأة التي ترتدي تنورة قصيرة ولا تضع حجاباً على شعرها دخلت وقالت لي:
- أين كنت يا ابنتي؟ ما أحلاك·· تعالي تعالي·
- دقيقة·
- ماذا تفعلين؟ لا تعدّلي حجابك·· هذا أبوك وأنا أمك·
- دقيقة·
- اخلعيه يا ابنتي·· جميعنا أهلك·· هذا أبوك وأنا أمك وهذا أخوك أدور؟
- لا تخلعيه يا ابنتي·· دعيه·· كما تشائين··
لم أشعر بأنني في المكان الصحيح··· كلامها كان بعيداً، والصالون أكبر مما ينبغي··· والسقف أعلى كذلك·· وأنا أشعر بخوف لم أجربه في حياتي من قبل·· ماذا يجري؟ أخي اسمه أدور وأمي اسمها ماري·· وما اسم أبي؟·· الحمد لله، أن اسمه عبد الأحد·· وكان يشبهني إلى حد كبير·· ويتكلم بهدوء شديد لكي لا أفزع ولا أخاف·· وهو الذي قال لي عن الحجاب لا تخلعيه يا ابنتي·· دعيه كما تشائين· كوني على راحتك ولا تخافي من شيء·· كأنني عبرت نهراً عريضاً بلا قارب، وبصعوبة بالغة وجدت نفسي على اليابسة·· أريد أن أعرف ماذا يحصل؟ وما الذي أتى بي إلى هذا الجانب من النهر، لكي أجد أهلي الحقيقيين هنا في مكان آخر من العالم، وأجد نفسي أتحرك بصعوبة فوق سجادة بيضاء اللونِ ؟·· ميتة من الخجل والخوف· تركت خلفي أخي مصطفى وأبي محمد وأمي زينب التي ماتت بعد عجز الكليتين، فكانت الوحيدة التي سكنت في المكان الصحيح··· بدت خفيفة كريش الحمام في أيامها الأخيرة، ولا يوجد في إصبعها كشتبان ولا خاتم زواج·· وحتى ابنتها ياسمين، أعز ما تملك، أخذوها منها ودسوها تحت السلة قبل أن تموت·
كنت أسأل أمي وأنا صغيرة: ماذا لو ضعتُ بعيداً عن البيت ولم يعثر علي أحد؟ فتقول أمي لي: كيف تضيعين وأنا موجودة في هذه الدنيا؟·· سأبحث عنك في كل مكان حتى أعثر عليك·· أقول لها: ماذا لو سقطت في حفرة عميقة لا يعرف بها أحد؟·· فتقول: لا تخافي·· سأتشمم رائحتك وأجدك حتى وإن لم أرك·· أقول لها ماذا لو سقطتُ في بئر بعيدة فوقها غطاء سميك لا يمكن لأحد أن يسمع صوتي فيه، أو يعرف ما موجود تحته؟·· فتقول لي: قلبي سينبؤني بمكان وجودك وأراك حتى لو كنت في سابع ظلمات الأرض· لا يزول عني القلق، ولا أشعر بالأمان لكلامها، وأشعر بأني ضائعة تحت الأرض لا محالة····· أرض غريبة لا أتعود عليها ولا أحبها، فأخاف وأفزع منها أشد الفزع ثم أتمنى لو أظل عالقة في الحبل السري، لكي أبقى جنيناً في بطنها، والحبل الغليظ ملتف حولي لا يقطعه أحد····· يمتد من سرتي إلى المشيمة····· مشيمة زينب·