أنت هنا

قراءة كتاب أعوام ضائعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أعوام ضائعة

أعوام ضائعة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
أعوام ضائعة
 
يقول البعض: إنّ عهد الدراسة هو أجمل أيام العمر؛ فهو عهد اللهو والمرح وفراغ البال من هموم العيش؛ عليك أن تعيش مع كتبك ودفاترك، وعلى غيرك أنْ يتولوا أمر إطعامك وكسائك ورفاهيتك.
 
وأسمع كلامهم وأضحك في أعماقي ضحكة حزينة سوداء، ليس فيها شيء من معاني الموافقة على ما يقولون.
 
أترى كانت كذلك حقاً أيام دراستي، أو كانت كذلك عهود دراستهم هم؟
 
حين أستعيد في ذهني السنين المتعاقبة التي قضيتها على مقاعد الدراسة، أشعر بأنها لم تكن في الواقع سنيّ لهو ومرح وفراغ البال. لعله كان فيها شيء من فراغ البال من هموم العيش، ولكنها في الواقع لم تكن كذلك بمعنى فراغ البال بشكل عام: كانت على العكس من ذلك تماماً: فلم أكن أعرف فيها فراغ البال مطلقاً منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية الدنيا، بل كانت شواغل البال وشوارهه حينذاك أكثر بكثير مما يحمله طالب في عمر المراهقة أو قبلها. وكل ما يشده بالي وبال لداتي حينئذ الأساتذة أنفسهم قبل كل شيء.. وإذا كنت اليوم أستطيع أن أذكر القليلين منهم بخير، فإنّني لأشعر بالحسرة على تلك السنين الثمينة التي أضعتها في أيدي الكثيرين منهم.
 
ولست أريد أن أظلم أولئك المعلمين بإطلاق الكلام على عواهنه، فالمثل الذي طالما سمعته منذ طفولتي يقول: "من علّمني حرفاً صرت له عبداً" وهو مثل جميل نبيل، يعلّم معنى نبيلاً من معاني العبودية لذوي الفضل، ولكنه لا يعني مطلقاً العبودية الذليلة لمن يفسدون حتى على الطفل نعومة الحياة وراحة البال، ويدوسون بذلك رسالة التربية التي يفترض فيهم حملها.
 
إنّني أشعر برضى نفسي تام حين أجدني عبداً أميناً وخادماً لأولئك المعلمين القلائل الذين هذّبوني بضمير سليم، ولم يحاولوا أن يفسدوا ضميري بعقائدهم المتعددة الألوان، والتي ليس لها في مجموعها من قاسم مشترك غير تعليم الفوضى، والتمرد، والغوغائية، وهذه كلها تدمير لرسالة التربية، وإفساد لضمائر الأجيال الطرية البريئة.
 
منذ أنْ كنت في السنة الثالثة الابتدائية كان بعض المعلمين يدخلون قاعة الصف متعاقبين، حسب الحصص المقررة لهم، لا لكي يعلمونا الدروس المقررة، ولا لكي يغرسوا في نفوسنا الطرية حب الوطن، وحب الخير للمواطنين، ومبادئ التعاون مع الآخرين لأجل سعادتنا وسعادة بلدنا، بل ليملأوا نفوسنا ببذور التمرد والكراهية المطلقة للآخرين، وحب الفوضى المدمرة وليحرضونا على الإضرابات والمظاهرات وهتافات التعييش والتسقيط.

الصفحات