أنت هنا

قراءة كتاب أعوام ضائعة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أعوام ضائعة

أعوام ضائعة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3
وضُربت أكثر من مرة ضرباً مبرحا، وسجنت مراراً متعددة، ثم كان يطلق سراحي في كل مرة وأعود إلى المدرسة لأعاود سيرتي من جديد مع كل معلم: فلقد أصبح المعلمون يعرفونني جيداً، وكل واحد منهم يحاول كسبي لدعوته، وكنت أعطيهم من قيادي ما يشاؤون رغم ما ينالني من تقريع أبوي وأقاربي ورغم ما يصيبني من الضرب والاعتقال والسجن، فالتقريع والضرب والاعتقال والسجن كلها أهون من الرسوب في المدرسة بسبب عداء بعض المعلمين المبشرين بدين الفوضى والتمرد والتخريب، وعرقلة الأمن وتدمير سلامة الوطن وأمنه.
 
ومضيت أرتقي من صف إلى صف، لا بفضل اجتهادي وذكائي وسمو أخلاقي، بل بفضل معرفتي كيف أرضي حزبيات بعض المعلمين، وأداري دعواتهم المتعددة الوجوه والألوان دون أن أؤمن قط بواحدة منها. حتى كان امتحان الدراسة الثانوية، وهناك كانت الصدمة التي فتحت عيوني على الحقيقة المرة الرهيبة.
 
إنَّ الامتحانات هذه المرة لا يمكن فيها مداراة معلم، ولا مسايرة عقيدة، فما يمكن أنْ ينجح فيها غير الطالب الجاد المجتهد، وأنا قد بلغت هذه المرحلة ولم أكن قط جاداً ولا مجتهداً. وكان طبيعياً جداً أنْ تظهر الصحف وليس فيها اسمي بين أسماء الناجحين.
 
الأساتذة الذين ضلّلوني ودمّروني لم يعد في وسع أحدهم أنْ يساعدني على النجاح كما كانوا يفعلون من قبل؛ ولهذا سقطت في الامتحانات العامة، واسمي في أضابير الأمن غير نظيف، لكي يساعدني على وجود وظيفة أعيش منها بشرف وكرامة رغم سقوطي في الامتحان، والأحزاب السرية التي خدمتها طوال مرحلة الدراسة-مداراة ولا اقتناعاً – ليس في وسعها أنْ تفعل لي شيئاً غير الاستمرار في إغوائي لأجل القضاء على مستقبلي كله.
 
وهكذا خرجت من المدرسة: لا نجاح في امتحان، ولا أمل في عمل شريف يمكنني به أن أسترد حريتي وكرامتي. ولم أجد من أبويّ غير التقريع المتواصل والاحتقار.
 
اثنا عشر عاماً قضيتها في المدرسة التي يقولون أنَّ عهدها هو أجمل أيّام العمر، فلم تكن كذلك بالنسبة إليّ في حينها، ولم أستفد بعد خروجي منها غير الاحتقار من الأهل والجيران، وغير كلمة (ساقط) تطرق مسمعي همساً وعلانية في كل مكان.
 
أصبحت أنا المجرم وحدي، ولم أجد من يعزيني بعبارة واحدة تنسب الجريمة إلى الذين عُهد إليهم بأمري منذ طراوة عمري، فضلّلوني وعلّموني أنْ أكون فوضوياً، وأنْ أدمر نفسي أولاً وقبل كل شيء.

الصفحات