أنت هنا
قراءة كتاب أعوام ضائعة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
وبدافع من طيش الطفولة وخبثها الذي لا يدرك معه الطالب منفعته، كنا نحوّل الدروس إلى أشياء أخرى بعيدة كل البعد عن روح المدرسة، لكي نفوز برضى أولئك الأساتذة: كنا ننافق لكل معلم، ونداعب في نفسه نوازع الشر والهروب من رسالة التربية لكي ننال العلامات الجيدة، وننجح في الامتحانات دون جهد حقيقي نبذله في الدرس والحفظ. وكنا نعرف لماذا ينال بعض رفاقنا علامات سيئة، ولماذا يرسبون على الرغم من اجتهادهم وانصرافهم التام إلى دروسهم، وتأدية واجباتهم كما يمليه عليهم الضمير السليم: لقد كانوا يرسبون لأنهم لا يشتركون في ما نفعله نحن الآخرون من دغدغة عقائد المعلمين الحزبيين والتحمس لها، ولو في الظاهر ودون أدنى إيمان، ولا يتقبلون منشوراتهم السرية، أو يشتركون في توزيعها على زملائهم، وفي حملها في جيوبهم إلى بيوتهم، ولا يخرجون في إضراب أو مظاهرة.
كنت أرى ذلك كله وأدركه جيداً، بل كنت أزداد له إدراكاً مع مرور السنين، فكنت أنافق لأجل ذلك لكل معلم، وأتلوّن مع كل عقيدة، وأخرج في كل مظاهرة، بل صرت مع الأيام أُحرّض مع المحرضين على الإضرابات المتلاحقة، لأن للإضرابات فوائد متعددة:
فنحن بها نهرب من الدروس، ثم حين نخرج من مدرستنا نمضي إلى مدرسة البنات القريبة ولا نغادرها حتى تخرج معنا البنات ويشتركن في إضرابنا ومظاهراتنا. ولعل هذه كانت غايتنا الأولى من الإضراب والمظاهرة: أنْ نختلط بالبنات ويختلطن بها ولو في عمل فوضوي تخريبي، ألا يتيح لنا هذا الاختلاط مغازلة من نشاء من الفتيات، باسم الوطنية طبعاً، دون أن نجد من يردعنا؟!
كان المحرضون من الأساتذة يعلّموننا أنّ هذه كلها أعمال وطنية ماهرة، وكنا نحن الصغار مرغمين على تصديق ذلك، بل لقد كان يطيب لنا أن ننغمس كل الانغماس في هذه "الأعمال الوطنية الباهرة"، ما دامت تحقق لنا ثلاثة أهداف غالية، هي:
الهرب من الدروس والنجاح في علامات الامتحانات دون درس أو عناء ثم مغازلة الفتيات والاحتكاك بهن بحجة الغيرة الوطنية، ما دام ليس لنا من سبيل إليهن غير سبيل المظاهرات..
واعتُقلتُ أكثر من مرة بسبب اشتراكي في المظاهرات والإضرابات وتوزيع المناشير السرية على الطلاب والطالبات، وإن لم تكن تلك المناشير كلها من لون واحد، بل كانت تدعو إلى عقائد لا يربط بينها غير التحريض الفوضوي، والدعوة إلى التخريب