أنت هنا
قراءة كتاب أعوام ضائعة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
ودقت الساعة على الجدار تعلن الثانية عشرة، وارتفعت الكؤوس في أيدي الساهرين، وانطلقت تهاني العام الجديد من الأفواه: عام سعيد.. عام سعيد .. وتركت الشرب، وأخذوا يتبادلون أنخاب العام الجديد.. "عام سعيد".. وذهبت لأطبع قبلة العام الجديد على خد طفلي، ولأهنئ زوجتي بالعام الذي ولد في تلك اللحظة.
طفلي.. والعام الجديد.. والأمل الجديد، والأمل الجديد.. رياح هوج تصفر في الخارج، ومطر أهوج مجنون يصفع زجاج النوافذ كالسياط المجدولة الجبارة، وأصوات رصاص تلعلع من بعيد في أحياء المدينة، لا تحس بأن عاماً قد مات، وعاماً آخر قد وُلد..
لماذا الرصاص والدماء؟
لقد كنت كل عمري أكره القتل، وأهرب من منظر الدم.. كنت أكره أنْ أذبح دجاجة، أو زغلول حمام، أو أرنباً، فكنت أدع أمي تقوم بذلك عني، أو يقوم به واحد من الجيران، أما أنا فما كنت أطيق أنْ تتلوث يدي بدم كائن حي.. ولكن دماء البشر أصبحت رخيصة في بلدي: أرخص من دماء الدجاج والزغاليل، والأرانب، كذلك شاءت الإرادة الغريبة التي فرضت حكمها علينا، وزرعت أرض بلدي بالغرباء لكي يقتلوا أهل بلدي، أو يشردوهم، ويقيموا هم مكانهم، وما أكثر ما سفكت تلك الإرادة المجردة من الضمير من دم في مختلف أنحاء بلدي: من دماء أبناء بلدي ومن دماء الغرباء الوافدين كالوباء الخبيث الرهيب!!
وحتى ذلك الحين لم أكن قد دخلت معركة، ولا طاوعتني نفسي على حمل السلاح، ولو لحماية نفسي في وسط المجزرة التي تمور في بلدي، والتي طالما تكررت مشاهدها فيه منذ الآن سبب جديد يزيدني ابتعاداً عن المعركة، وعن خوض المجزرة الدامية.. إنَّ لديّ طفلي الذي يجب أنْ يعيش ليجدد بناء أسرتنا، وليملأ حياتي بالأمل والسعادة ويملأ كذلك بالأمل والسعادة حياة أمي وجدتي.