من الرواية:
أنت هنا
قراءة كتاب البيضة السوداء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
هـذه الصـورة رافقنـي ضجيجهـا فـرحها وفـرحي الخاص، انتصـاري الخـاص فـي جلسات التحقيق، صمتي هـو انتصـاري، كـان انتصاراً لعقلـي البـاطن، كـأنه كـان يخـاف أن أفقـد هذا الانتصار، فقـد لجأ عقـلي تلقائيا إلى خط دفـاعي الأول.. صمتي، أبقـاني في دائـرةِ ضوئي الخاص، حاول عقلـي البـاطن المستحيل أن يحمي ذلك الانتصار، ولكن ومع الزمـن بات شكـلاً خاصاً من الحيـاة والأفكار، فرضها عـلي حـتى ألفت هـذه اللعبة الجـديدة، قدمت لي بارقة أمـل صغيـرة أن أعيـش مرة أخرى انتصاراً صغيراً متـواضعاً، وسـط هذا الكم الهـائل مـن الهـزائم المتراكمة عبـر هـذه السـنوات الـتي عشنـاها...
لـم يستطع حـتى أصـدقائي ورفـاقي إعـادتي إلـى سـابق عهـدهم بـي، تحـول كل شيء من حـولي إلى خلية نحـل، ضاجاً بالحياه بشكـل..(متـذبذب).. لـم يبقَ لـي سوى أن أنسحـب إلـى الداخل.. إلـى داخل جـلدي.. فـي صومعتي.. تجويفي.. جُحر أحزانـي، أتحـدث معه فقـط، خلق لغـه خاصة بيننـا وحدنا، وبصمت تخاطبنا، لقـد كان مبنياً علـى التفاهم المبهـم، أما ردات الفعل تجـاه الآخـرين فهي قليلة، استجابة فقط بالحـركة بدون صوت، كأن هـذه الفتحة التـي بالوجه قـد أغلقـت إلى غير رجعـة، لـم يعد لهـا فـائدة تـذكر.. سـوى إدخـال الطعام والهـواء.
المهـم أنّنـي فـي هـذه المـرحلة كنـت أشـارك الكثيـرين مـن حـولي آلامهـم وأحـزانهم، والعيـش كذلك بالطـريقة التـي فـرضت علينـا، لا يميـزني عنهـم سـوى صمتـي الدائـم، كل واحد منهـم وفي أكثـر الأحيان يقبـع فـي زاويته.. بصمت.. ؟
أو أنه يهـرب منه ليشـارك الآخرين أحاديثهم وهمـومهم.
بـات الصمت والضجيج طرفي نقـيض لمـا يحيـط بنـا، كـل يختـار مـا يـراه منـاسباً، في هـذه اللحظـات التـي يعيشهـا هنـا.
بعيـداً عن كـل ذلك، كـان يقبع أبـو فراس هـناك فـي إحـدى زوايـا الزنزانـة، مشغولاً بمـا بين يـديه... !
أطبقـت عليها يداه، وبدأت أصابعه تتحسسهـا تضغـط عليهـا بقسـوه تـارة، وبنعومة تارة أخـرى، كأنه كـان يحاول فـكّ رمـوزها، هذا الشيء العجيب الـذي يملأ كفيه.. ؟ (تمتم) ما هـي إلا كتلـة مسمطـة ناعمـة الملمـس تمـلأ كفيـه.
إحساس قـوي بالحرارة يولِّد الدفء بين يـديه، ما عهد هذه الحرارة من قبـل، دائـما حرارة نسبية تأتيه وتداهمه من أماكن ومشاعر مختلطة كثيرة أخـرى، غير واضحة المعالم، ولتـكون مصـدر الدفء الخاص به، لـم يفكر بهـا بهذا الوضوح والإصرار من قبـل، وفي هذه الأماكن، وبالطريقة التي شعر بهـا الآن، اجتـاحته حمى خفيفـة ابتدأت من وجهه ثـم انتقلت إلـى خلف أذنيه، وأخيـراً وصلت إلـى أعـلى رأسي، ثـم بدأت تنسـاب ذكـراه كصـنبور للميـاه بـدون تـوقف.
تكـون أحيـاناً ذكرى الأشيـاء أكثـر حدة وقسـوة مـن الحدث نفسـه، تتـدفق إلـى مخيلتي، أراهـا بتفـاصيلها حتـى المسـام.. آه الـذكرى أكثـر وضـوحا مـع امتـداد المدة الفاصلة بين الـذكرى ولحظة حدوثها، تكون أكـبر ساحرة كذلك، وبالأخص في أماكن معزولة خارج حـدود العالـم بالتحديـد، هـذا الجحيم، وهـذه النــار المستعـرة حـولنا.
كـانت في ذكـراي تتصاعد موجات الحرارة من السرير، الـدفء له تـأثير النـار بالذات فـي السرير، الـدفء يمـلأني حين تـلتصق الأجسـاد فـي ليـالي الشتـاء... عشقته أكثر في تـلك الليالـي، لـه طعـم مختلـف.. خاصة مـع برودة الغرفة (العظمة كلهـا داهمته مرة واحدة).. آه..؟؟
أنا أجلس هنـا داخـل جدران وحـدتي، وحـدي..أحتـرق شـوقـا، للحظة هـي الأقرب إلـى الذكـرى منهـا إلـى الواقـع.