أنت هنا

قراءة كتاب البيضة السوداء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
البيضة السوداء

البيضة السوداء

من الرواية:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
(بـدأ يجيــل بصـره فـي مـا حـوله ببلاهـه)
 
لـكن رائِحتَكٍِ أنتِ لهـا طعم آخـر، مثل النـدى... نكهـة ورائحـة وطعم آخـر.. مثل رائحة التراب حين يبدأ موسـم تسـاقط المطـر في نهايات الصيف والممـتزج بالرطوبة والدفء..ورائحة الصابون النـابلسي، لا زلت أذكـر حين خـروجك وانبثاقك من باب الحمـام..(...........) الأصوات المـرافقة للحمام.. قرع البـوابير.. واندلاق المياه والأبخره المتصاعدة.. رائحة حرق (الكاز).. وأطـراف الروائح مـا زالت عالقـة فـي أنفـي حتـى الآن.. يتردد صـداها أمـامي.
 
كلهـا تمتـد لتغطي عـلى كل شـيء من حـولي، حتـى إنني وفـي تلـك اللحظات أكـون غير قادر على أن أشاهـد سوى شـعرك الـرطب النضـر الملفوف بالمنشفـة، وجـزأه السفـلي الطويل الظاهـر من أسفـل المنشفـة.. كـان دعـوةً إلـى المجـون اللـذيذ.
 
بـدأت الحرارة بالازديـاد.. حرارة ودفء حـرارة تطغـى علـى جسـدي حتـى قبل أن ألامسها، ينتابني شبـق عبق.. بـه كل روائح العطـور المصنوعة فـي هـذا العالم.. ولتـأتي قربي مـرة واحـدة..ودفعـة واحـدة..نقــاء.. غنـج..إغراء، إغراء طبيعي غيـر مزيف، نقاء مجبول بالشهوه والشبق..كبرياء، أغرق فـي صدرها..والنار تصعـد من كـل مكان فـي جسدي..من الداخل.. اللـه.( ابتسـم )..فلقد شعـر حقيقة بالحـالة، بأن دفقة حرارية زائدة تتدفـق فـي يـديه.. الحـلم يولد الحرارة، وبـصورة مفـاجئة بـدأت حبـات عـرق صغيـرة تتحـرك عـلى جبينه وبيـن يديـه.
 
استــرق النظـر مـرة أخـرى إلـى ما حـوله.. حتـى لا يلفت انتباههم إلـى التغيـرات التي حصـلت لـه، ولـكن هـذه المـرة اصطـدم بالفـراغ المحيـط بـه، وبالآخـرين..الوجـوم البادي عـلى الـوجـوه.
 
آه..أمـا كـان من الأجـدى بي أن أهـب حياتي إلى زوجتـي وأطفالي بـدلاً من أن أغـوص فـي أوحال السيـاسة..؟
 
لقـد سحقتني بنـارها.. وكـذلك الأحداث، أي نعـم.. الظـلم لـه طعـم مـر أكثـر مرارة من الصبار والعلقم، وهو ما أجبرني علـى السير في هـذا الـدرب، عنفـواني وكبريـائي هما مـن وضعاني هنا، لـم أتنازل ولم أفكـر للحظة واحدة بالتنازل عنهمـا، وبسببهما لم أتنازل عن المبادئ.. التنازل جـريمة بحـق الشعب والقـرار.. قـرار (الانتصار قادم.. الثورة الحمراء على الأبواب.. الطبقة العاملة.. البروليتاريا.. النقابات.. العمـل.. العمال.. قـادم لا محـالة.. الشعوب.. الفـلاحين.. القضيـة) تتدافـع الكلمات وتتـزاحم.. مـرة واحـدة.. أواه.
 
لـم أعـد قـادرا علـى ربط الكلمات بعضها ببعـض، تتطاير امـامي كتبن البيدر فـي هواء الصيف الحـارق، كـل الكلمات.. فارغـة.. الآن واجمـة، ليـس بهـا روح ميتـة... غادرتها الروح منـذ أمد بعيـد، منـذ أمـد بعيد كـان لها روح، حيـن سمعتها أول مرة، سحرتني معانيها، بعثرتني معهـا، والآن أراها جثث متناثرة أمامي.. مقـابر تفتح أفـواهها، وأضرحة ممزقة الأبواب، لتقذف مـا تبقى بها من عظام بـالية.. نخرة، صحـراء..لـيس بهـا نبتة واحـدة.. وردة واحـده.. شجرة واحـدة واقفة، أواه، خـرائب تناقلناها علـى مدى السنـوات كالببغاوات السلطانية ؟ التـي ترمى في (المزبلة) حين تفقد سحرها، أو حتـى حين لا تستطيع بعد ذلك، تسلية أصحابها، او النـطق بكلمات داعرة.. فجة.
 
إنّ هذه الكلمات بالنسبة لـي جيف..تلمع الديدان الفسفورية بها..آه مثل..جثـث..ملقاة أسفل ضـوء ربـاني (أسطوري) قـادم مـن سمـاء..بعيـدة مظلمة فحسـب.
 
ولكـن بـارقة أمـل صغيرة تأتينـي من الاتجـاه المقابـل، شمعة تضـاء ليـس أمامي إنمـا خـلفي، فـلا أراهـا ولـكن أشعـر بضوئهـا، يملأني يمحوني بداخـله يحتضنني كطفـل صغير، يريحني كنسمة صيـف منعشـة.. يلفحنـي فـي أواخـر الليـل...
 
إنهـا أنت..أنـت الآن الحقيقة الأبـدية..الحياة..آه الحياة حقيقية معك قيـاساً بما مر وسيمـر بـي مـن أحـداث زائفـة... وخامـدة.

الصفحات