أنت هنا

قراءة كتاب الحاسة صفر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحاسة صفر

الحاسة صفر

"الحاسة صفر" يتناول فيها تجربة خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي صيف عام1982 وما تلاها من تشتت المقاتلين الفلسطينيين في منافي الدول العربية وانهيار خيار الكفاح المسلح من أجل استرداد فلسطين.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
كنت كثيراً ما أَسأل نفسي وأَنا أَدور بين المدن باحثاً عنه: هل سأعرفه حين أراه؟ هل تغيَّرت ملامحه المرسومة في رأسي؟ هل يشبه تلك الملامح أَكثر أَم يشبه الصُّورة الَّتي كنت أحتفظ بها في جيبي؟ لست أَدري كيف تداخلت ملامحه، وتغيَّرت، وانمحت، فلم أَعد أجد قواسم مشتركة كثيرة بين صورته في رأسي، وصورته المرسومة باللَّونين الأبيض والأَسود، الَّتي احتفظت بها في جيبي لسنوات طويلة.
 
كان في الصُّورة يبدو وسيماً، صغير السنِّ، يلبس طاقيَّة الفدائيِّين الخضراء، ويبتسم، وعيناه تضجَّان بالحياة.
 
* * *
 
التحقت بجامعة دمشق، بكليَّة التَّاريخ.
 
لست أَدري ما الَّذي جمعني بالتَّاريخ على الرُّغم من اعتراض كلِّ من هم حولي، خُصوصاً أُمِّي الَّتي كانت تتمنَّى أَن أكون ذات يوم طبيباً...
 
ما عاد الآن بوسعها الاعتراض على شيء.
 
انقلب فجأة كلُّ شيء بعد أيَّام قليلة فقط من التحاقي بالجامعة، أَفقنا في الصَّباح الباكر على دويٍّ هائلٍ وكأَنَّ السَّماء سقطت من علوِّها الشَّاهق، أفقت على بكاء النِّسوة، وثياب الحداد، ورائحة الموت.
 
سقط صبرا، وسقط شاتيلا!
 
من أين أبدأُ؟ صرت أسأل، كنت أحلم، كنت أهوي.....
 
كم رصيفٍ يا دمشق سرقتِ منِّي!
 
كم بلادٍ، كم عذابٍ، يا دمشق، وكم كتابٍ والهزيمة كيف صارت يا دمشق بعري عريي!
 
كلَّما نكَّست روحاً رحت أبحث خلف أسرار المجازِ عن المجاز، ولعبة العربيِّ، والكلمات في الزَّمن الحزينْ
 
أدمنتُ أوجاع الغناء، وكلَّما شذَّبت معنى للهزيمةِ رحتُ أسألُ: كيف نمشي في اليقينِ؟ وكيف تسرقنا السِّنينُ؟ وكم علينا أن ندور على الهزيمة كي نُسمِّيها خروجاً أو هروباً من زنازين العواصمِ، من رغيف الخبزِ، من لحم الخسارة، واحتضار الياسمينْ؟
 
فتَّشت في حزن الرِّجال العائدين من الهزيمةِ والفراغِ فلم أجد غير انكسارِ الضَّوءِ في غبش الطُّفولة...
 
وحدها بيروتُ كانت تحتسي نخب الرُّجولة، والرِّجالُ السَّاقطون من الهزيمة يملأون اللَّيل خمراً وانتحاباً وانتظاراً وارتحالاً في الجُّنونْ
 
سقط الحصار وأشرعت بيروت في ليل الهزيمة وجهها، فتَّشت عن آثار عيسى في الوجوه فلم أجدْ غيرَ انعكاس الظلِّ، لا معنى، ولا تاريخَ يسند جوعنا الأبديَّ للمعنى....
 
بقايا الموت في صبرا، وشاتيلا، مرايا حكمة العربيِّ
 
صبرا....العوااااااااءْ.....صبرا البكاااااااااءْ......صبرا الَّتي رفعت مناديلَ الوداع مخيَّماً غابت وراء البحر

الصفحات