"الحاسة صفر" يتناول فيها تجربة خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي صيف عام1982 وما تلاها من تشتت المقاتلين الفلسطينيين في منافي الدول العربية وانهيار خيار الكفاح المسلح من أجل استرداد فلسطين.
أنت هنا
قراءة كتاب الحاسة صفر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
ثمَّ كتب أسفل الصَّفحة بخطٍّ صغير:
"كيف يمكن لرجلٍ مثل سعيد الدُّوري أن يتعلَّق بالبندقيَّة مثلما يتعلَّق بفتاة عذراء!".
* * *
كان المعسكر عامذاك هادئاً بعد صيف الهزيمة القائظ الطَّويل.
الَّذين جاؤوا من كلِّ أصقاع الأرض ماتوا...أو عادوا إلى ديارهم.
وحدهم الَّذين كانوا يظنُّون أنَّ المعركة ما زالت في بدايتها ظلُّوا، وكنت أنا أحدهم، أحد الَّذين استيقظوا في زمن السُّبات، والدَّرس كان جاهزاً منذ اليوم الأوَّل:
يُمنعُ السُّؤال عن الاسم الحقيقيِّ، أو البلد، أو الأصل، أو الفصل، أو الكنية، أو التَّاريخ، إذ كلَّما ازدادت معلوماتك أصْبَحْتَ أكثر فائدة للعدوِّ.
لكنَّ اللَّهجة كانت تفضح الجميع....
لم يكن من الصَّعب أن أعرفَ أنَّ وحيداً مثلي من الأردنِّ، وأنَّ محمَّداً من جنين، وأبا رائد من سوريا، وأبا طارق من لبنان، وجورج من تونس، وسيِّداً من مصر.
كنت مثل الآخرين قادراً على أن أعرف البلد الأصليَّ لكلِّ مقاتل في المعسكر من لهجته.
الَّذين كانوا سيعودون إلى فلسطين كانوا أكثر حذراً، وكان يُضربُ حولهم طوقٌ أمنيٌّ أكبر، وتدريبهم يغلب عليه طابع تصنيع المتفجِّرات من كل ما هو ممكن ومتاح، وخيامهم مفتوحة نحو الغرب
والآخرون كانوا في خيام منفصلة غارقين في التَّفاصيل:
أنواع البنادق والقنابل والمدافع والدبَّابات والطَّائرات والمسدَّسات والذَّخائر، عدا التَّدريب الشَّاق اليوميِّ على اجتياز الموانع والسَّواتر والأسلاك الشَّائكة وبناء المتاريس والتَّخفي في أيِّ وسط محيط.
كنت أشعر بالمتعة كلَّما تعذَّبت أكثر لأنَّني كنت أحسُّ بأنَّني أسير على خطى عيسى،
وفي نهاية كلِّ أسبوع كنت أرتدي ملابسي وأغادر المعسكر، مرَّة إلى دمشق، ومرَّة إلى حمص، ومرَّة إلى حماة، كنت أبحث عنه في كلِّ مكان، وكلَّما أعود مكسوراً يستقبلني وحيد مواسياً، ويحاول أن ينسيني ألمي بالتَّدريب الشَّاق الطَّويل
صار يتركني في الظِلِّ لساعاتٍ محاولاً أن يعلِّمني كيف أتنفَّس، وكيف أسيطر على أطرافي، بعدما أدرك أن القلق الهائل الذي أحمله في أعماقي هو الَّذي يمنعني من دقَّة التَّصويب
كان القلق واضحاً في كلِّ حركة أقوم بها، في حركة كفيَّ، وحركة رأسي الَّذي ينتفض فجأة لا إراديَّاً، وقدميَّ اللَّتين لا تكفَّان أبداً عن الاهتزاز ما دمت جالساً على المقعد أو السَّرير.


