أنت هنا

قراءة كتاب الحاسة صفر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحاسة صفر

الحاسة صفر

"الحاسة صفر" يتناول فيها تجربة خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي صيف عام1982 وما تلاها من تشتت المقاتلين الفلسطينيين في منافي الدول العربية وانهيار خيار الكفاح المسلح من أجل استرداد فلسطين.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
رفعت رأسي إلى وحيد وأنا أشعر بالذلِّ والأسى
 
- أخطأت؟
 
هزَّ وحيد رأسه وابتسم....
 
كان طويلَ القامةِ مثلي أو أطول منِّي بقليل، وأوَّل ما يلفت الانتباه فيه هدوؤه وصفاء عينيه، شعره ناعم قصير قد وَخَطَه شيب خفيف، وجهه حنطيٌّ، وأَنفه مدبَّبٌ صغير، وأَسنانه بيضاء متراصَّة، يمشي بهدوءٍ كأنَّه يتهادى فوق الماء، يُخرج بين الحين والآخر من جيبه قلماً ودفتراً صغيراً يدوِّن فيه بعض الكلمات القليلة ثمَّ يعيده إلى جيبه دون أَن يعرف أَحد ماذا كان يكتب بالضَّبط.
 
عشرة أعوام ظلَّ فيها يخرِّجُ أفواج المقاتلين بلا توقُّف، زرع رجالاً في كلِّ أنحاء الأرض، وحصد شهداءَ أكثر مما ينبغي لرجلٍ مثله بالكاد تجاوز الثَّلاثين.
 
منذ أسابيع قليلة لم يكن المقاتل يحظى بأكثر من ثلاثة أيَّام للتَّدريب:
 
يوم لفكِّ البندقيَّة وتركيبها....
 
ويوم للرِّماية...
 
ويوم لمهارة الميدان....
 
وفي اليوم الرَّابع كانت الحافلات تقلُّ المقاتلين إلى لبنان.....
 
الوقت كان أضيق من التَّدريب، والمتطوِّعون جاؤوا بالآلاف من كلِّ أنحاء الأرض، وبيروت كانت تنزف دماً....ومقاتلين....
 
لم أكن قد أصبتُ الهدفَ بغير ثلاث رصاصات من ثلاثين
 
انسحبت إلى خيمتي وأنا أشعر بالذلِّ والانكسارِ، وبكيت بالسرِّ وأنا أفكِّر بعيسى...
 
في أَعماقي، ربَّما كنت أَشعر بالغيرة منه، لكنِّي كنت أَطرد تلك الأَفكار من رأسي لأَنَّ حبِّي له كان يطغى عليها، كنت أُحاول أَن أُقلِّده في كلِّ شيء، كيف يأكل، وكيف يمشي، وكيف يجلس، وكيف ينام، كيف إذن يمكن أَن أُخطئ التَّصويب؟ هل يمكن أن أُصبح موجِّهاً سياسيَّاً في المعارك بدلاً من مقاتل لأَنَّني لم أحسن التَّصويب ذات لحظة؟ ما الَّذي يمنعني من دقَّة التَّصويب؟ شعرت بالرُّعب وأنا أَتخيَّل أَنَّهم لن يقبلوا بي كمقاتل، لكنِّي بعد ذلك بزمن طويل، حين قرأتُ ما كتب وحيد في دفتره الصَّغير، أدركتُ أنَّه قد بدَّل الحقيقة ليلتها في تقريره اليوميِّ الذي كان عليه أن يرفعه كلَّ صباحٍ لقيادة المعسكر، وكتب فيه أَنّني قد أَصبت الهدف بخمس وعشرين رصاصة دون أن يعرف لماذا سمح لنفسه بذلك، كتب في دفتره: "الآن ربَّما أدركت أكثر من أيِّ وقت مضى أنَّ الحياة لا تسير على قدمين، وأنَّ الوقت كرويٌّ مثل الأرض، وأنَّ الماركسيَّة أخطأت في تفسير العلاقة بين الشَّكل والمضمون....".

الصفحات