أنت هنا

قراءة كتاب الناجون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الناجون

الناجون

في هذه الرواية التي تحلم بالتغيير في وطننا العربي، قسم يحمل عنوان "زمن الغضب والثورة" أسترجع من خلاله زمن السبعينيات... زمن الحلم بالثورة والتغيير الجذري من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على كل أشكال القهر والاستبداد.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
القسم الأول
 
الزلزال
 
أية هزة هذه التي عصفت به، وجعلت النوم يستعصي عليه إلى هذا الحد؟ أية أمطار طوفانية هطلت فجأة، لتحيي تلك البركة الآسنة المتكلسة في أعماقه، وتجعلها تموج بهذا العنف المدمر؟ أية عصا سحرية ضربت تلك المقبرة المنسية في أعمق أعماقه، ليستيقظ أمواتها دفعة واحدة، في كامل شبابهم وبهائهم، وكأنهم في يوم الحشر؟ لماذا ينبعث الماضي بكل هذا التوهج وهذا اللهيب، وقد كان يتراءى له من حين لحين، كسراب بعيد؟ لماذا يتدفق كشلال كاسر يجرف في رمشة عين كل ما قضى العمر يبنيه بعزم وإصرار؟
 
امتدت يده تبحث عن علبة السجائر. اصطدمت بمفتاح النور، فإذا الضوء يغمر الغرفة المظلمة. أغمض عينيه وهو يضغط بسرعة على المفتاح لتغرق الغرفة في الظلام من جديد. أحس بألم فظيع في عينيه ذكره بمشهد من مشاهد ذلك الماضي الذي يظهر أنه مصر هذه الليلة، على التمرد وتحطيم القمقم الذي حشره فيه سبعا وثلاثين سنة.. لم يشعر إلا وتنهيدة طويلة تندفع بجنون خارج أغواره السحيقة.
 
أحس بارتعاش يده وهو يشعل السيجارة. أخذ منها نفسا طويلا، ثم قذف به في اتجاه سقف الغرفة. تذكر كريستين، فحمد الله أنها غير موجودة هذه الليلة.
 
ما الذي أصابه؟ ألم يعاهد نفسه على نسيان تلك المرحلة من حياته التي لم يعرف فيها غير المآسي؟ تلك المرحلة التي انساق فيها وراء طيش الشباب غير مبال بالخطر الذي يتربص به؟ ألم يحسم الأمر بكل حرية؟ ألم يخرج قلبه بإرادته، ويسحقه تحت حذاء العقل الفولاذي؟ فأية آفة أصابت هذه الليلة، تلك الإرادة الصلبة لتحولها إلى مجرد ريشة تعبث بها الريح كما تشاء؟ وأية قوة جبارة تمتلكها تلك المرأة لتهدم بصوتها صرح النسيان الذي شيده على امتداد سنوات العمر؟ أي سحر ذاك الذي يحيي فجأة، وجوها غطى ملامحها غبار السنين؟ أية جاذبية تلك التي أعادت إليه روحه القديمة التي كانت تنساق انسياق الأعمى لعنفوان الشباب؟
 
عاد يسترجع اللقاء بكل تفاصيله الدقيقة، باحثا عن سر الزلزال الذي هز كيانه، وحرمه لأول مرة، بعد سنين طويلة، نعمة النوم المريح...
 
خرج مساء هذا اليوم، ليتمشى داخل الحديقة العمومية حسب العادة التي واظب عليها منذ عدة أشهر، امتثالا لنصيحة الطبيب، وتخفيفا من حدة الانتقادات التي يتعرض لها من طرف كريستين التي تعيره بضعف الإرادة، لكونه لم يتمكن من التغلب على الرغبة في التدخين... يمارس كل يوم، عملية المشي كواجب ثقيل يستعجل انتهاءه ليذهب إلى المقهى، ويدخن سيجارة تعيد إليه مزاجه الرائق. لذلك، لم يكن من عادته الجلوس في الحديقة. غير أنه هذه المرة، أحس فجأة، بتعب شديد، جعله يلجأ إلى أقرب كرسي يصادفه أمامه.

الصفحات