في هذه الرواية التي تحلم بالتغيير في وطننا العربي، قسم يحمل عنوان "زمن الغضب والثورة" أسترجع من خلاله زمن السبعينيات... زمن الحلم بالثورة والتغيير الجذري من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على كل أشكال القهر والاستبداد.
أنت هنا
قراءة كتاب الناجون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الناجون
الصفحة رقم: 10
حوالي العاشرة ليلا، عادت المرأة إلى غرفتها بالفندق، منهكة جراء يوم عمل مرهق. فقد حضرت اجتماعات مع أعضاء الجمعية الفرنسية، وقامت بزيارة لمستشفى الأورام السرطانية بالمدينة. ما عدا تلك اللحظة التي رافقت فيها الرجل الغريب إلى المقهى، لم تعرف طعم الراحة خلال اليوم كله. اعتقدت أنها بمجرد ما تدخل غرفتها، ستغرق في النوم. لكن النوم جافاها. أحست بجسدها منهكا للغاية. أرادت أن تغير ملابسها، لكنها ما إن رفعت ذراعيها لتزيل القميص، حتى سقطتا وكأنهما ذراعي جثة. تهالكت فوق الأريكة المقابلة للسرير. أخذت جهاز التحكم عن بعد. أضاءت شاشة التلفزيون الغرفة. ظلت تضغط على الأزرار، دون أن تجد في نفسها رغبة في متابعة ما يعرض على القنوات المختلفة. كان تفكيرها منشغلا بصور أخرى كثيرة تمر عبر الذاكرة، وخاصة تلك الصور الأكثر إلحاحا، صور الأطفال المصابين بالسرطان. هؤلاء الأطفال لا يختلفون في شيء، عن أطفال المغرب. فرغم الإمكانيات المتوفرة هنا، إلا أنهم يلتقون جميعا، في أقسى شيء، ألا وهو الألم.
عادت إليها صورة الطفلة الصغيرة حنان، تلك الدمية الجميلة الصلعاء، ابنة الخمس سنوات التي أصيب رحمها بالسرطان، فأجريت لها عملية جراحية لاستئصاله. استحضرت معاناتها وبكاءها الذي كان يفتت قلوب المرضى، وقلوب كل الذين يكونون حاضرين ساعة تلقيها العلاج الكيماوي. لم تكن تلك الطفلة الصغيرة تعرف معنى هذا المرض، ولا معنى العلاج الكيماوي، ولا معنى الجلوس فوق الكرسي وعدم تحريك اليد التي يمر منها السم القاتل للخلايا السرطانية ولغير السرطانية. لم يكن الممرضون يجدون غير حيلة اللعب، ليقوموا بالمهمة الشاقة. هكذا تشترك الأم أو الأب أو هما مها، في اللعبة. يجلس كل منهما فوق الكرسي الطويل إلى جانبها، وتضع الممرضة أو الممرض الأشرطة اللاصقة فوق يده، لترغب الطفلة في تقليدهما، فتتقبل بسهولة، إدخال الحقنة التي يمر عبرها السم القاتل إلى جسدها النحيل . وماذا حدث بعد كل ذلك العذاب؟ ماتت حنان الصغيرة بعد ثلاثة أشهر من المعاناة التي لا تتحملها أشد الأجساد صلابة!
وجدت نفسها كعادتها كلما رأت طفلا مصابا بالسرطان، تتساءل نفس التساؤلات الرهيبة: ما الذي فعله هؤلاء الأطفال ليتعذبوا هذا العذاب الأليم؟ أية معاص ارتكبتها تلك الطفلة، حتى يتسرب السرطان إلى رحمها الصغير؟... استحضرت ذلك النقاش الذي دار بينها وبين إحدى زميلاتها المتحجبات حول آفة السرطان التي أصبحت تحصد البشر بالجملة، فلا يكاد بيت يخلو منه. ردت الزميلة المتحجبة هذه الآفة، إلى ابتعاد الناس عن الطريق المستقيم، وانغماسهم في ملذات الحياة... إلى السفور والفجور وتعاطي شرب الخمر والمخدرات في واضحة النهار... إلى أجساد النساء العارية التي تثير الفتنة في الأرض، وتنزل اللعنة من السماء... وختمت كلامها قائلة: "إن الأمم الضالة دائما، في حاجة إلى آفة تذكرها بوجود الله وضرورة العودة إلى الطريق المستقيم! "