رواية "الطريق إلى غوانتنامو" تتلمس طريق الحرب الوعرة، وتسعى إلى التعبير عن مصائر شخصياتها التي انسحقت في أتون حرب عاصفة، وهي بشكل من الأشكال، صرخة في وجه الواقع العربي، بمزيج من التوثيق والخيال.
أنت هنا
قراءة كتاب الطريق إلى غوانتنامو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
يحدث أحياناً لصبي في سنواته الأولى أن يسأل أسئلة كثيرة كأن يقول:
لماذا تعبد الله؟ ومن خلق هذا الكون؟ وعندما نجيبه الله، يسأل بفطرته التي تشك بكل ما حوله إذاً من خلق الله؟
عندها ننهره وكأنه انتهك الوصايا العشر، وانتهك الثالوث المحرم الذي نحبس أنفاسنا منه، باحثين في تلك العباءة الفضفاضة التي تسمى الدين عن مخارج لكل تلك الأسئلة والتقلبات التي تنتاب صبياً لم يتجاوز سنه السابعة بعد.
عيونه تتجه صوبي وأنا أمامه بتلك الذاكرة والأحداث التي عادت لمجرد أن مسك هو ست رسائل مني إلى قوم يقطنون في بقعة جغرافية اسمها وطني ويحملون صفةً اسمها أهلي.
هل حان الوقت لأروي كل ما لم أستطع احتماله وأن أواجه نفسي بالحقيقة وحدها؟ الحقيقة لطالما عشنا نبحث عن حقيقة واحدة في ظل هذا العصر المليء بالخرافات من حولنا، هل حان الوقت لأحكي كل ما استطعت كتمانه طوال السنوات الماضية عن فترة من حياتي بكل ما فيها من تفاصيل؟ أم أحكي له عن ذلك الشاب النهم للحياة قبل عام 2003؟
تراني من أين سأتخذ بوابة لحديثي؟ وأي نكسة ستكون المنطلق لروايتي معه؟
أي قدر دفع تلك الرسائل للخروج من مكانها المغمور في قلب كتاب للتاريخ في مكتبتي الخاصة؟ أي قدر دعاها للنهوض من بين ركام التاريخ بعد أن أصبحت جزءاً منه، نهضت ففاح منها رائحة الرطوبة والغبار وربما رائحة عفونة الورق خاصة إذا كتب عليها تاريخ مزور وأحمق ومجنون ومليء بالمؤامرات.
من أي مؤامرة تراني أبدأ الآن يا ولدي وأنا الذي لم أقرر بعد، أأحكي كل ما لم أستطع يوماً البوح به لأحد ربما لم يكن هناك شخص يسمعني كما أشاء لا كما يريد هو؟
يسألني الصبي مجدداً، بابا ما قصة هذه الرسائل؟
حالة من الصمت الجديد انتابتني لعلّي أحاول إعادة رسم التاريخ في ذهن هذا الصبي، أن أحوّله من حريته إلى عبودية لأفكاري التي لم أشأ يوماً أن ألبسه إياها كما هي بل أردته أن يدركها كما هي فيتجسدها كما هي.
كنت قد دخلت لتوي من الخارج بعد يوم طويل حاملاً معي هدية له، ولكنه لم يعطني الفرصة كي أفتح ذلك الكيس، فأطلق رصاصته الوحيدة من خلال ورقات بيضاء ست على ذلك الرجل الذي كان ذات يوم ما أنا.