رواية "الطريق إلى غوانتنامو" تتلمس طريق الحرب الوعرة، وتسعى إلى التعبير عن مصائر شخصياتها التي انسحقت في أتون حرب عاصفة، وهي بشكل من الأشكال، صرخة في وجه الواقع العربي، بمزيج من التوثيق والخيال.
أنت هنا
قراءة كتاب الطريق إلى غوانتنامو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
في بيتي حاكمت كل من أعرف ومن تعرفت عليهم حاكمت، القوميين العرب والراديكاليين العرب والملكيين العرب وحاكمت جان جاك روسو وماركس ولينين وهتلر وشارون وياسر عرفات وأجهزة المخابرات العربية ونفسي كلهم حاكمتهم في هذا المكان خلال مسيرتي في البحث عن حقيقة لم أجدها إلى الآن.
مدينتي التي تعود بعد كل هذا الزمن لتستنهض الذكرى في جسد أتعبه السفر وذاب معذبا في ذكرها وذكر كل ما يتعلق بها، أجيل الطرف في نافذتي لأرمي البصر بعيدا هناك، كرم الفستق الحلبي ما زال كما كان والتراب انقلب مرات ومرات ولكنه كما كان والسماء تلبدت سنين وحبلت سنين وأمطرت وابلاً من ماء ونبيذ ورجال ولم تتغير، فهل تغيرت أنا!
أشجار الكرم التي كنت أعرف، تنتظر اقترابي بذاكرة متعبة، هي ذاتها تلك الأشجار التي مر عليها والدي عندما كان في عمري وهي ذاتها التي حملت رائحة جدي الذي رحل ذات ظهيرة في عاصمة الأمويين وعاد محمولا على خشبة صامتاً على لغز كبير، حاولت مراراً أن أفك شيفرته لكن عبثا كنت أطارد ذكرى فقط لرجل كان هنا وبات سرابا.
أشجار الكرم التي لعبت تحتها سنواتٍ طوالاً وسمعت صراخي أياماً طوالاً، وبحت أمامها بأحلامي واستمعت لدروسي ما زالت تنتظر، فهل أقترب؟
صرت حقيقةً أخاف الاقتراب لكي لا أكسر تلك الصورة التي رسمتها لي هي بين جذوعها، واختزلتها بين أغصانها، لكي لا أمحو عمراً من الانتظار وعمراً من الشوق لسماع أخباري على حين غفلة.
يحدث أحياناً أن تعمل في أرض لا تنتظر منها أن تعطيك ولكنك تعمل لإيمانك المطلق بها ولنفيك الدائم أن تكون في عداد المنسيين من قائمة عشاقها ومن تعبوا عليها.
بين نافذتي وبينها هواءٌ حمل مني وحملت منه في صدري، فلماذا كل هذا التحامل والتصور بأنها خانتني مرات ومرات.
طوراً تتقاذفني الرغبة لأحمل ذلك الصبي القابع في داخلي وأذهبُ به بعيدا بعيدا إلى ما وراء أشجار الكرم باحثا عن قطعة حجر كتبت عليها ذات عشية في زمن مضى اسمي وخبأتها تحت الأرض يقينا مني أن هناك من سيأتي من ذات المدينة لينفض عنه الغبار في مستقبل ما ويقرأ اسم رجل كان هنا ومضى.
تراني لماذا أحاول أن أجد مهرباً من ذلك السؤال؟ ولماذا أتخبط لأعيد ذكر مدينتي أكثر من مرة وذكر حبيباتي وممارساتي الشيطانية؟ أهي الرغبة بعدم البوح أم هي النرجسية المفرطة في حجب ما جرى عن كل الناس وحتى عن ولدي؟ في الحقيقة لست أدري.
أسحب كرسياً من زاوية الغرفة الكبيرة وأجلس فيقف ولدي أمامي حاملاً رسائلي القديمة ليعيد ذات السؤال، أضع الكيس جانباً وأنظر إلى عينيه وأرحل فيهما إلى تلك الليلة العصيبة التي اتخذت فيها أكثر قراراتي جرأة وحماقة ربما.