رواية "الطريق إلى غوانتنامو" تتلمس طريق الحرب الوعرة، وتسعى إلى التعبير عن مصائر شخصياتها التي انسحقت في أتون حرب عاصفة، وهي بشكل من الأشكال، صرخة في وجه الواقع العربي، بمزيج من التوثيق والخيال.
أنت هنا
قراءة كتاب الطريق إلى غوانتنامو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
سنوات طويلة مرت لم يسألني أحد لماذا وكيف ولأجل من؟ سنوات عقيمة مرت كعقم رحم الأمة العربية هذه سنوات عجاف لم ولن يتبعها على ما يبدو سنوات خير سبع كما مرّ في قصة يوسف عليه السلام، هي سنوات صمت لا أكثر وهروب من سؤال تفتق الآن من شفتي صبي ليعلن ولادتي من جديد دون دراية منه.
أقف حائراً ويداه تمسكان بتلك الورقة البيضاء الأخيرة وكأن كل شيء تحول من حولي إلى اللون الأبيض وغاب الكون كلّه في سكون.
وحيداً معي هو في غرفتنا الكبيرة في هذه القرية الوادعة التي تضرب جذورها في رحم التاريخ ثابتة عصية على الزوال واسمها طيّبة الإمام.
أحقاً مرّ وليٌّ من أولياء الله الصالحين ذات يوم من هنا حتى حولها إلى مدينة تحمل ما تبقى من قداسته ورفاته الموجود فيها.
أحقاً ما يروى عن حفيد النبي الكريم المدفون في ناصية جبل قريب منها؟ أم هي ليست أكثر من خزعبلات وأساطير من سكنوا هذا المكان أو حكم عليهم القدر بأن يكونوا من مكوناته الديموغرافية لا أكثر.
مدينة تختزل كل تناقضات هذا الكون بأوليائها وتجارها وأهلها ونسائها وشبابها النُّهم إلى العلم أو بالأحرى الطامح إلى مركز اجتماعي مرموق توفره له قطعة كرتونية ممهورة بختم وزارة التعليم العالي.
أعود مرة أخرى لأحدق في هذا الاسم طيبة الإمام، وكأنها مدينة مركبة باسمها تختصر كل مدن الأرض، فكم سافرت بعد كل هذا العمر، وكم قضيت في بلاد الغربة البعيدة إلا أنها كانت وستظل مركبي الراسي الوحيد الذي لا يغير ميناءَه أبداً، وهي دائما معي في حقائبي أينما سافرت وأينما حللت وأينما يممت وجهي تسكنني بكل تفاصيلها.
مدينتي التي اختزلتني في طياتها وبين حجارتها كما اختزلت كثيرين من قبلي وستختزل كثيرين بعدي، ها قد عدت إليك كمحارب يستريح بعد معركة مريرة، أحاول أن أبحث من جديد في ممراتك الصغيرة، وحاراتك التي أكاد أحفظها عن ظهر قلب، أبحث فيها عن ذلك الطفل الذي كان أنا.
مدينتي تلتحف الدين عباءة يسترها من كل سوء أكانت حجارتك وبيادرك تتوقع أن يكبر ذلك الطفل الشقي وذاك الشاب اليافع المراهق أن يكبر ويكتب عنك ذات يوم بقلم ربما أصبح مشوهاً في ظل حكومات القمع والقتل والتدمير وحالات الطوارئ التي تستبيح كل شيء وأمام كل شيء؟