رواية "الطريق إلى غوانتنامو" تتلمس طريق الحرب الوعرة، وتسعى إلى التعبير عن مصائر شخصياتها التي انسحقت في أتون حرب عاصفة، وهي بشكل من الأشكال، صرخة في وجه الواقع العربي، بمزيج من التوثيق والخيال.
أنت هنا
قراءة كتاب الطريق إلى غوانتنامو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
بعض المناطق المأهولة تنتشر هنا وهناك على قارعة الطريق الطويل الواصل بين القائم والعاصمة، توقفنا مراراً للراحة فقد كانت الحافلة قديمةً جدا (لدواعٍ أمنية) كما قالوا لنا، ولكي لا تثير انتباه القوم.
أجلس على حافة الباب سانداً ظهري إلى أحدهم مغمضا عيني راحلاً إلى أيامٍ خلت في بلادي، منذ أيام فقط كنت أجلس هناك أنتظر المستقبل الذي لن يأتيَ وأقرأ الماضي بعيون من عرفت.
في بلادي ينام التاريخ على أرصفة الشوارع، وفي سياج الجوامع، هناك تصطف المآذن والكنائس والصوامع لتروي تاريخ بلادٍ لا تزال تعيش في عباءة الهيبة والخلافة، بعض الحفر في الشارع توقظني من غفوتي لتسحب رخصة قيادة الأحلام مني، وتعود بي إلى واقع بت فيه على مرمى حجر من الموت.
الكتابة للذكرى قاتلة كحبها وخاصة عندما تكون الذكرى نبتت بدهاليزنا السرية وامتلكناها بشرعيتنا الخاصة، ولكن الموت على هذا الطريق لم يعد سراً، فهو يعلو كلما علا تسبيح وتهليل من جمعهم القدر معي هنا في هذه الحافلة.
صوت رجل عراقي يجلس إلى جانب السائق يلتفت نحونا ليقول: ابقوا هادئين، هذه البغدادي والبغدادية وكلها ضمن الرمادي التي تعد من أكبر محافظات العراق العظيم.
محاولة منا نحن متعددي المشارب أن نكتشف جغرافيا الزمان والمكان، ونجيل الطرف حيث يشيح ذلك الرجل بيده، ينفثُ دخان سيجارته بعصبية والوقت دخل في الظلام وكل شيء عاد إلى الظلام، فرحتُ أتأمل اللون الأسود المحيط بنا لعلي أحاول فهم فلسفة الألوان وعلاقتها بنفوس البشر، يراني أحدهم صامتا لا يحركني المكان فيكزني بكوعه مشيرا لي برأسه كي أعود للذكر الذي بدأنا به منذ انطلاقنا من أمام الجامع الكبير في القائم.
ها هي بغداد عاصمة الرشيد وقلعة الصمود والتصدي، ها هي بغداد المنيعة العتية التي على سفوحها سيندحر الغزاة الطامعون وعلى أعتابها سيسقط العلوج كما سقط من سبقهم، ها هي بغداد تتشح السواد عنوة في قلب ذلك الليل وأضواء الشهب النارية تعلو في سمائها وأصوات انفجارات تخرج من رحمها لتعلن ورود قافلة جديدة من الشهداء وسقوط حي جديد منها.
لم أكن أدرك تلك المفارقات وقتها فقد كان كلام الشبان عن الشهادة والجهاد والحرب المقدسة وأطماع الآخرين وتلك الرؤيا التي رواها لي أحدهم عن شيخ في حيّه رأى النبي محمداً قادماً للقتال في العراق كل ذلك كان أقوى من أصوات الرشاشات ومضادات الطائرات.