رواية "الطريق إلى غوانتنامو" تتلمس طريق الحرب الوعرة، وتسعى إلى التعبير عن مصائر شخصياتها التي انسحقت في أتون حرب عاصفة، وهي بشكل من الأشكال، صرخة في وجه الواقع العربي، بمزيج من التوثيق والخيال.
أنت هنا
قراءة كتاب الطريق إلى غوانتنامو
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9
عبرت بوابة الحدود سريعاً لأرى اثنين من حرس الحدود العراقيين يحتسيان كوبين من الشاي قالا لي يومها "هلا بيك".
نظرت لفوري إلى صورة حائطية كبيرة لصدام حسين الرئيس العراقي الذي لم يبق له في الحكم بعد دخولي أرض العراق سوى ما يقارب الأحد عشر يوماً، إنها حصيبة المدينة العراقية الأولى وصور صدام حسين تغزو كل الشوارع وبكل الهيئات وعبارات النص تعتلي الأعمدة وأكثر ما شدني يومها عبارة:
((إن تنصروا الله ينصركم))
أسلوب شرط من أساليب اللغة العربية فتحقيق الطرف الأول يؤدي إلى وقوع الطرف الثاني وامتناع الأول يؤدي إلى امتناع الأخير، وحدها اللغة العربية تتميز بكل تلك المرونة حتى تجعلنا نختزل حالتين من التناقض تجعلنا نعبر عن نقيضنا فإن لا ننصر الله نهزم ونخذل ونكون في أسفل السافلين.
في حصيبة وجدت اثنين من أبناء مدينتي لم أفاجأ بهم أبداً، فقد كنت أتوقع لقاء كهذا خاصة أن كثيراً من الشبان في مدينتي ذهبوا تاركين كل شيء وراءَهم باتجاه الجهاد المقدس.
ساعات قليلة في حصيبة وبعد صلاة الجمعة وبعد أن أنهى خطيب ذلك الجامع خطبته بدعاء بدحر المعتدين ونصر القائد الملهم صدام حسين توجهنا جميعاً إلى القائم وكنا عصراً في الجامع الكبير،
جموع غفيرة من كل بقاع الأرض ومن كل الشتات أتوا إلى هنا ربما بحثاً عن منزلة بقداسة شهيد، لم تستوقفني الوجوه بتاتاً سوى وجه وحيد كان يجلس منزوياً بعيداً عن كل تلك الوجوه، اقتربت منه وألقيت عليه السلام وتعارفنا مسرعين.
- خضر من لبنان، روى سريعاً كيف أتى إلى هنا، وكيف عبر كل تلك الحدود، وكيف ترك صنعته المحبّبة إليه كمدير وصانع للحلويات الشرقية.
هو القدر جمعني مع خضر في القائم ليعود ويجمعني معه بعد أقل من شهر في معتقل بوكا لنجد مساحة أكبر لنروي لبعضنا الذي لم نجد في القائم مكاناً أو زمانا لذكره.
في خضم تأملاتي تلك صدح صوت من مكبر آلي يدعو الجموع الغفيرة لاعتلاء الحافلات الصغيرة التي جهزت أصلاً لنقلنا إلى العاصمة بغداد، إنه الطريق إلى بغداد وبداية أسبوع عصيب على ما يبدو، فأكثر من خمس ساعات قضيناها على ذلك الطريق.